لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

مشاهدة أنصاف الآلهة ممكنة في مصر!

محمد حسن الألفي

مشاهدة أنصاف الآلهة ممكنة في مصر!

محمد حسن الألفي
07:00 م الثلاثاء 23 مارس 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بطبيعة الحال، وبالمنطق، وبقبول الغيب والتسليم به، فإنك لن ترى الله جهرة، لكن يمكنك أن تراه فيما منحك من نعم وعطاءات وما أحاطك به من مخلوقات طيبة ترعاك وتخاف عليك. لكن يمكنك أن ترى بشرا تألهوا، وتعملقوا، وطغوا، واستبدوا، من فئة عجيبة غريبة تحمل عنوان السيد نصف الإله الموظف المصري.

وهكذا فإن بوسعك أن تشاهده وجها لوجه، وأن تكلمه، عفوا أن ترفع إليه مسألتك، ربما يرد لاطشا زاعقا، وربما يتفقدك في قرف، ويشيح بوجهه عنك؛ فأنت في نظره كائن معاشات، أو كائن تأمين صحي.

إذا أردت أن تعرف كيف تتم مرمطة الناس المحتاجين للمعاشات، فاذهب لمكتب تأمينات ومعاشات، أو حاول أن تحصل على خدمة تأمين صحي. لن يراعي نصف الإله صحتك ولا سنك ولا مرضك ولا دموعك.

الموظف المصري لديه شعور دفين بالسيطرة، وهو حامل الأختام، وفاتح بوابات النعيم، ورقة صغيرة منه تنهى متاعبك، وورقة يركنها، أو يرميها تلقي بك في خلاط الدوخة.

الصوت العالي والشخط والنطر والتنطع والملاوعة سمات متحكمة. فوق الستين، روت لي وسط دموعها كيف داخت السبع دوخات في مكتب تأمينات إمبابة لكي تحصل على معاش والدها. كل موظف يشخط ويقول معرفش. روحي لفلان تروح لفلان يقول لها روحي لعلان. هاتي منه الورق. يرفض الأخير. تقول له رفض. يقول لها أعمل لك إيه. بكت، وصرخت من الدوران في الطاحونة.

وفي مكتب تأمين صحي لصديق كان يجهز أوراقه لزراعة كُلية. تمت بحمد الله في مركز كلى المنصورة العظيم، روى لي جارى وهو يبكي كيف كانت المعاملة مهينة وفيها إذلال وعجرفة دون مراعاة لمرضى طحنهم العمر، وسحلتهم الحاجة والعوز.

هذا الموظف نصف الإله هو ذاته الذي يتحول إلى قط وديع يتمسح في قدميك لو رشوته، أو كنت قريبا له، أو معك توصية من شخصية ذات نفوذ وأمر. هذا الموظف نصف الإله هو ذاته الأرنب المتأمل حين تطعمه الجزرة.

جربت بنفسي الذهاب إلى تأمينات المعادي في الشطر العاشر. ذهبت مترددا خوف العدوى بكورونا. دخلت عمارة بالطابق الأرضي منها شقتان يمينا ويسارا. واجهني موظف خارج لتوه من الشقة اليمنى: من فضلك فين رئيس المكتب؟

بدون إنذار ولا مبرر ولا سابق كراهية زأر: معرفش، روح اسأل. وتركني، وصعد السلم.

سألت أحدهم من الجمهور، فدلني على الطابق الأعلى. هنالك وجدت نصف الإله المسعور واقفا بجوار رئيس المكتب في الطرقة أمام مكتبه، ثم داخل غرفة مجاورة كلها موظفون، كان يعرض عليه أوراقا، وفجأة وجدته يكاد ينهش رئيس المكتب بلسانه زاعقا وملوحا ومُشوّحًا.

احتراما لنفسي تفاديته؛ قلت إنه يبهدل رئيس المكتب الواقف أمامه في وداعة، فكيف إذا شكوته؟ لا يمكن بالقطع الشكوى من نصف إله! بعدها دلني رئيس المكتب على موظف في الطابق الأرضي. الحق كان مهذبا ووديعا. استغربت، فابتسم، وفي دقائق أعطاني شهادة طلبتها.

أدعو السيدة وزيرة التضامن الاجتماعي مراجعة مكاتب التأمينات والمعاشات ومراقبة معاملة المواطنين من أصحاب العوز والمرض وغيرهم؛ لكى تتأكد أن موظفيها بقلوبهم رحمة وذوق وأدب ومواطنة وآدمية.

والدعوة مكررة وملحة للسيدة وزيرة الصحة دكتورة هالة زايد وللدكتور رئيس التأمين الصحي.

حياة بدون كرامة.. حياة مع الإهانة.. نهاية عمر مع الإذلال.. لن ترضي الله.. ثم لن ترضي رئيس الدولة الذي يؤكد على كرامة كبار السن.. لا مرمطتهم.

فتشوا على مكاتب الاحتكاك بالجماهير، وراقبوا المعاملة مع الناس؛ بذلك سيشعر الموظف أنه تحت المساءلة؛ إن أخطأ وتجبر، واشتغل نصف إله.

إعلان