إعلان

مستقبل التنوير الزائف والعداء للدين

د. أحمد عمر

مستقبل التنوير الزائف والعداء للدين

د. أحمد عبدالعال عمر
07:00 م الأحد 07 نوفمبر 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

الدين حياة بالمعنى الشامل للحياة، والخلل دائمًا لا يكمن في الدين ذاته، ولكن في الفهم القاصر للدين. ولهذا لابد من فتح الباب لعلاقة مستقبلية توافقية بين التنوير والعقلانية وبين الدين والأبعاد الروحية للإنسان.

لابد من تأسيس نسق فكرى يجمع بينهما حيث لا غنى لأحدهما عن الأخر؛ فلا مستقبل لعقلانية تستبعد الدين والأبعاد الروحية، ولا مستقبل لروحية تستبعد الأسس العقلانية.

تلك هي خلاصة المحاضرة الشهيرة التي ألقاها في مايو 2008 الراحل الدكتور نصر حامد أبو زيد في القاعة الشرقية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وحملت عنوان "الفن وخطاب التحريم"، والتي تشرفت بحضورها في ذلك الحين.

وقال فيها أيضًا إن الثقافة العربية "ثقافة سمعية" لا تميل للقراءة والبحث وإعمال العقل، وأنه كان ضحية تلك الثقافة السمعية، وضحية القراءة المتربصة لمشروعه الفكري، وضحية للوسطاء الذين نقلوا أفكاره للناس، فوضعوا على لسانه ما لم يقل به حقيقة.

والمفارقة المحزنة التي أشار إليها نصر حامد أبو زيد في تلك المحاضرة، أن أغلب مَن هاجموه أو ناصروه لم يقرءوا يقرأوا كتبه؛ فمن هاجمه نقل له الآخرون أنه كافر.

ومَن ناصره كان يجد في نفسه شيء من الكفر وعدم الإيمان، فأعتقد أن نصر أبو زيد على ملته. وقال إنه ليس بكافر على الإطلاق، ولا يوجد في كل ما كتبه شيء ضد الإيمان، وأنه ينقد الفكر الإنساني فقط، أما الإيمان فإنه يحتفي به، ويُريد أن يستعيده بأوسع معانيه.

وقد أثارت تلك الأفكار بذهني في حينه تسأولات عديدة- لا تزال قائمة لليوم- حول مستقبل التنوير الزائف في بلادنا المعادي للدين، وحول إمكانية استكمال مشروع نصر حامد أبو زيد الفكري، ومن خلفه مشروع أستاذه الراحل الدكتور حسن حنفي، لتجاوز مرحلة التنوير الزائف، وبيان تهافت ومأزق نجومه الذين جعلوا من العداء للدين والهجوم على التراث بالمطلق غاية لهم، والذين يتصدرون المشهد الثقافي والتنويري في بلادنا اليوم.

وبالتالي الدعوة لخطاب تنويري جديد، يمكن أن يساعد العرب والمسلمين على حل إشكالية التعامل مع التراث، وعيش عصرهم، والخروج من مأزقهم الحضاري ودائرة التخلف التي عاشوا فيها لقرون.

ويمكن تحديد أهم مقومات صنع الخطاب التنويري الجديد، ليصبح في مواجهة خطاب التنوير الزائف المعادي للدين على النحو التالي.

أولاً: الإيمان بالعقلانية وبأهمية الرؤية الفلسفية والنظرة والنقدية، وفي الوقت ذاته التمسك بثوابت الدين، والإيمان بأهميته في الحياة الإنسانية؛ لأن الدين والإحساس بالألوهية في الكون هما حاجة روحية أساسية، وهما جوهر إنسانية الإنسان وأثمن ممتلكاته قي هذه الحياة.

ثانياً: اليقين بأن الدين مقوم أساسي من مقومات هذه الأمة، وإن عودة الناس إليه وتمسكهم به، هو وجه من وجوه الواقع لا ينكره إلا غافل، وبالتالي فإن أصحاب المشاريع الفكرية التي تعادي الدين أو تهمشه ضمن منظومتها الفكرية، أو تسخر منه ومن ثوابته، هم قوم يستجلبون عداء سياقهم الثقافي والاجتماعي، ويحرثون في الماء ويزرعون في رمال الصحراء، بلا فائدة أو منفعة فكرية أو ثقافية أو مجتمعية حقيقية.

ثالثاً: الإدراك الواضح بأن للأمة ثوابتها التي يجب أن تظل فوق النقد، ناهيك عن التطاول والتجريح. وأن الإلحاد والتجاوز والتطاول على المقدسات كان موضة في مرحلة زمانية ماضية، وموجة فكرية ركبها العديد من المثقفين، إلا أنه لم يعد كذلك. ولم يعد من المجدِ أيضاً أن يقضي المثقف التنويري عمره وكأنه "برومثيوس اليوناني" في خصومة وصراع مع الله والدين.

رابعاً: السعي لإجراء مصالحة بين الإيماني والعقلاني؛ فلا مستقبل لعقل يعادي الإيمان، ولا لإيمان يعادي العقل؛ بل إن المستقبل هو "للعقل المؤمن" ولنموذج "برومثيوس المسلم" الذي ينطلق من يقين ونور إيمانه بالله لينشر نور المعرفة، ويوجه سهام نقده لكل قوى الشر من البشر والدول الذين نصبوا أنفسهم آلهة من دون الله، وأخذوا على عاتقهم أن يصير الحق باطلاً والباطل حقًا في هذا العالم.

في النهاية، إن التنويريين الجدد يجب أن يكون هدفهم الجوهري هو إحداث تغيير في بنية العقل المسلم المعاصر ومنطلقات تفكيره، ودفعه إلى أن يعيش عصره، دون أن يفقد هويته وخصوصيته الثقافية والحضارية.

مع الحرص الشديد من جانبهم في عدم الوقوع في فخ الإفراط أو التفريط، والسعي لإعادة اكتشاف ما في الإسلام من طاقات روحية ومعرفية وحضارية، والمواءمة بينه وبين مقتضيات وحاجات العقل والعصر.

إعلان