إعلان

جيلي وأفتخر.. رجل من مصر

د طارق عباس

جيلي وأفتخر.. رجل من مصر

د. طارق عباس
07:00 م الأحد 31 أكتوبر 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

الحب في كتاباته نبض، والصدق غاية والأفكار فياضة بالتأمل والتأني والجدية في الطرح، يعارض بموضوعية ويوجه بحيادية وينتقد بمسئولية ويؤيد دون أى اعتبار للمصالح الشخصية، ومواقفه من قضايا الناس ومشكلاتهم خير شاهد على مصريته وعشقه لحريته.

إنه الكاتب والمحلل والناقد الدكتور مصطفى عبدالرازق أبرز كتاب المقال في جريدة الوفد، والذي يتسم أسلوبه بالسلاسة والبساطة والانسيابية، وقد تنوعت موضوعاته بين سياسية واجتماعية وأدبية مدركا أن أقصر الطرق إلى عقول الناس وقلوبهم هو الاعتناء بهم وبأولوياتهم وما يخص حياتهم.

نشأ الكاتب مصطفى عبد الرازق في بيئة متوسطة وفي أسرة رقيقة الحال بمنطقة روض الفرج، لأب قادم من سوهاج بالصعيد يعمل موظفا في كلية الهندسة جامعة عين شمس وأم ربة بيت لا تقرأ ولا تكتب. وكان وسط خمسة أخوة بينهم أربع فتيات أكبر وأصغر منه، وأخ يكبره بعامين فقط. اكتسب كاتبنا من أبيه الطيبة والمروءة ومن أمه إكرام الضيف وحسن المعاشرة، وقد اشتُهِرَ بفطنته وذكائه الحاد؛ لذلك حفظ أجزاء لا بأس بها من القرآن الكريم ولم يتجاوز الثالثة من عمره.

دخل مصطفى عبد الرازق المدرسة الابتدائية الموجودة في الحي الذي يسكن به، وهي مدرسة موسى ابن نصير، على كورنيش النيل، وفيها بدأ كاتبنا مسيرة تميزه الدراسي حيث اعتاد التفوق العلمي والحصول على المراكز الأولى ليس في الدراسة فحسب بل في ممارسة الأنشطة أيضا ، واستمر على تميزه هذا طيلة المرحلتين الإعدادية والثانوية بعد أن التحق بمدرستي مكارم الأخلاق الإعدادية، ومدرسة الإيمان الثانوية، وفي الأخيرة تشكل وعيه ونضج فكره، حيث كانت توجد مكتبة عظيمة تُحَبب الطلاب في القراءة والاطلاع، لذلك كان يقضي فيها أمتع الأوقات حيث يطلع على أحدث الإصدارات الأدبية والفنية ويقرأ ما تيسر له من أمهات الكتب، وقد أدت تلك القراءات به لأن يرتبط بالتاريخ والسياسة ولم تعد له أمنية يحلم بها أكثر من رغبته في أن يلتحق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة ، أملا في أن يصبح – ذات يوم – سفيرا أو وزيرا أو عاملا في مجال السلك الدبلوماسي، ومن أجل هدفه هذا بذل قصارى جهده لتحقيق الحلم، ونجح في الثانوية العامة – فعلا – بمجموع أهله للالتحاق بتلك الكلية، في سنة 1981.

في هذه الكلية اطلع كاتبنا على فروع وحقول معرفية متنوعة ومختلفة، تتجاوز السياسة إلى الدين والشعر والرواية والتاريخ والفلسفة، الأمر الذي زاده ارتباطا بالقراءة والبحث وكتابة مقالات متأثرا بعمالقة الكتاب وقتها أمثال : موسى صبري – محمد حسنين هيكل – أحمد بهاء الدين - مصطفى أمين.. وغيرهم .

تخرج كاتبنا في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة سنة 1985، ليبدأ رحلته العملية بجريدة كان يصدرها الحزب الوطني اسمها "شباب بلادي"، وكانت ضمن إصدارات جريدة مايو، وقد جعلها كاتبنا منصته لإطلاق مقالات نارية ضد كل ما يخالف الأعراف والتقاليد والعادات في تلك الفترة ومن أبرز مقالاته التي نشرها وقتها مقالا انتقد فيه فيلم "حمام المناطيلي" الذي رآه تجاوزا غير مقبول للقيم التي توارثها المصريون لاحتوائه على مشاهد خارجة تحرض على الممارسات غير الأخلاقية.

لم يمض وقت طويل حتى أتيحت لكاتبنا فرصة أخرى للالتحاق بجريدة الوفد حيث عمل بها أول الأمر في مجال التحقيقات الصحفية ثم كتابة مقالات الرأي والإشراف على الكتاب أيضا، ومن فرط تميزه تطلبه جريدة المدينة السعودية للعمل بها ثم جريدة البيان الإماراتية، وقد بقي خارج مصر مدة 13 عاما، عاد بعدها إلى جريدة الوفد مرة أخرى ليبدأ في كتابة مقالات النضج – على حد تعبير الكاتب – وكانت أسبوعية، ومن أكثر المقالات التي كان لها صدى كبير على القراء في تلك الفترة ، هذا المقال المُعَنوَن بـ"الإخوان والحشاشون" وقد عقد فيه مقارنة بين الإخوان وفرق الحشاشين، من زوايا مختلفة وكان الهدف هو رصد حال الجماعة ومستقبلها، ولعلي لا أبالغ إذا قلت بأن ما أشار إليه كاتبنا قد تحقق بالحرف الواحد أو كاد، ومن المقالات الأخرى التي كان لها رد فعل مشرف، مقال بعنوان: "تحولات المنصب الرئاسي في ظل مرسي" ، وكان عن إدارة الرئيس المعزول مرسي وكيفية تعامله مع شئون البلاد بطريقة عشوائية تقوم على العصبية لا المنهجية، كما أشار الكاتب في مقاله هذا للجوانب السلبية في شخصية الرئيس ومدى خطورته على مثل هذا المنصب الرفيع في الداخل والخارج. أما القضية الأهم التي أولاها كاتبنا اهتماما كبيرا ولا تزال، فهي قضية سد النهضة الإثيوبي، حيث يكتب بشأنها أسبوعيا تقريبا راصدا كافة الجوانب المتعلقة بالأزمة ليقينه في أهميتها وخطورتها على حياة المصريين وحاضرهم ومستقبلهم.

ولأن العمل البحثي لم يفارق اهتمام مصطفى عبد الرازق، فقد واصل دراسته العليا فحصل على الماجستير في سنة 2003 ، والدكتوراة في 2014 ، وكلتا الرسالتين قد ركزتا على علاقة المسلمين بالغرب وهو المجال الذي لم يحظَ بالاهتمام المطلوب في بيئتنا العربية كما هو في أوروبا والولايات المتحدة.

في ذروة حماس كاتبنا لضرورة الإسهام الفكري في قضايا المجتمع قدم مصطفى العديد من الكتب التي أثرى بها مكتبتنا العربية بعضها من تأليفه مثل : الأزمة السكانية – الوهم والحقيقة – آليات الاختراق الإسرائيلي للمنطقة العربية – قراءات في الدين والسياسة والأدب – ماذا خسرت مصر بانحطاط الإخوان؟ وبعضها ترجمه الكاتب مثل : الحرب غير المقدسة، الإرهاب باسم الإسلام للكاتب الأمريكي جون أسبوزيتو واهمية الكتاب راجعة لأنه تحليل موضوعي لحقيقة الإسلام ومدى الجرم الذي يرتكبه أعداؤه من أجل وصمه بالإرهاب وتصوير المسلمين على أنهم إرهابيون، وترجم كذلك كتابا بعنوان: العرب وأمريكا بحث في أسباب الكراهية، لأحد الصحفيين والكتاب الأمريكيين وفيه تحليل لأسباب كراهية العرب للأمريكيين رغم إعجابهم بتقدمها في شتى المجالات.

مما لا شك فيه أن كاتبنا لم يكن يكتب ليرتزق بل ليعبر عن نفسه ويشارك الناس همومهم ولم يخالف ضميره ولو مرة واحدة، لم يقبل بأن يملي عليه أحد ما يكتب، ربما كان ينحني للعاصفة حينا لكنه في أحايين كثيرة يتمسك بالفكرة التي يريد توصيلها للقارئ لذلك يمكن اعتباره ممسكا للعصى من المنتصف وهو بالنسبة له الأفضل من عدم الكتابة. لقد شارف الدكتور مصطفى عبد الرازق على الستين من عمره بعد أن تناثرت منه أوراق العمر، وعندما سألته عن مدى رضائه عما قدم صحافيا طيلة مشوار حياته، أجابني بمنتهى الصراحة: صحيح أنني قاربت المعاش لكني أشعر بحالة كبيرة من الارتياح بأن ارتباطي بتلك المهنة لا يزال قويا، رغم أفولها بشكلها التقليدي، الذي عرفناه لعقود طويلة، وحلول الإعلام البديل القائم على مواقع التواصل الاجتماعي وسأظل أكتب وأكتب إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولاً.

أطال الله في عمر كاتبنا وزادنا من إبداعه وكتاباته المتميزة.

إعلان