لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

حسن حنفي ونموذجه الحضاري

د. أحمد عمر

حسن حنفي ونموذجه الحضاري

د. أحمد عبدالعال عمر
07:00 م الأحد 24 أكتوبر 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إن أهم ما يُميز المجتمعات التي خرجت من طور التخلف إلى طور التقدم وبناء الدولة الحديثة، أنها تجاوزت مرحلة عدم الاستقرار ومراجعة الثوابت والمسلمات الفكرية والمجتمعية والسياسية، ووضعت صيغًا فكرية عقلانية جديدة تحدد علاقتها بماضيها وتراثها القديم وحاضرها ومستقبلها.

في هذا الصدد، يذكر الراحل الدكتور حسن حنفي، ثلاثة نماذج حضارية للتعامل مع الماضي والتراث القديم، سواء أكان هذا التراث اجتهادًا بشريًا أو وحيًا إلهيًا.

اثنان منا قد تحققا بالفعل في الغرب والشرق الأقصى، ونموذج ثالث حاول الدكتور حسن حنفي أن يدعو إلى تحقيقه في عالمنا العربي والإسلامي، بهدف البحث عن جذور الحداثة في تراثنا، وتحقيق نهضة الأمة من داخلها.

النموذج الأول:

نموذج الانقطاع الذى وُجد في الغرب المسيحي؛ فالعالم الغربي قد انقطع عن معظم تراثه القديم، واعتقد أنه بالقدر الذى يتجاوز فيه رواسب ماضيه بقدر ما يتقدم؛ فرفض في عصر النهضة الأوروبية سلطة البابا والكنيسة، وتدخلهما في شؤون السياسة والفكر، ورفض الكثير من تصورات الفلاسفة والعلماء القدماء، وقال بشكل حاسم: لا صلة للماضي بالحاضر الذى نعيش فيه، والمستقبل الذى نريد صنعه.

النموذج الثاني:

نموذج التجاور الذى وُجد في الشرق الأقصى، وخاصة اليابان والصين؛ فالإنسان الياباني والصيني في عمله وحياته المهنية والعلمية، أوروبي التفكير وعالم عقلاني صرف، ولكنه في حياته الأسرية والعائلية الخاصة وفي حياته الدينية، يمارس الكثير من العادات والطقوس المتوارثة التي تتسم باللاعقلانية، دون أن يجد تناقضًا بين حياته الأولى وحياته الثانية.

النموذج الثالث:

هو نموذج التواصل الذي كان الدكتور حسن حنفي يأمل أن نحققه في العالم العربي والإسلامي. ويهدف هذا النموذج إلى إخراج الحاضر من رحم الماضي، وتوليد الجديد من باطن القديم، حتى نحافظ على وحدة الهوية والشخصية الحضارية للأمة عبر التاريخ.

ولكى يصبح الإنسان العربي المسلم الجديد مواطنًا عصريًا يجمع في حياته وفكره وعمله بين الأصالة والمعاصرة، بين التراث والتجديد.

وبناء على هذا التصور، رأى الدكتور حسن حنفي أن واجب المفكر المسلم المهموم بحاضر ومستقبل وهموم أمته، هو أن يُعيد فهم وتفسير النص الديني، بما يتلاؤم مع حاجات العصر، ومع القضايا والإشكاليات والتحديدات التي يفرضها على المسلم المعاصر.

كما أن مسؤولية هذه المفكر التاريخية تُحتم عليه أن يغربل تراثه القديم، وكل ما هو اجتهاد بشري، ويقتله بحثًا ليفرق فيه بين الغث والسمين، بين ما يصلح لنا ويمكن أن نستفيد منه ونبنى عليه، وما لا يصلح لنا، لأنه نشأ في عصر غير عصرنا، وقدم أجوبة على أسئلة لم تعد مطروحة اليوم بيننا.

وبهذا نجدد الدين، ونكون أوفياء لتراثنا وهويتنا الحضارية، ونجتهد مثلما اجتهد أجدادنا، ونبدع فكرنا الخاص الملائم لعصرنا، مثلما فعل أجدادنا في عصرهم؛ لأن الإخلاص الحقيقي للأجداد لا يكون بنقل الرماد من موقدهم كما يُريد بعضهم، بل بنقل الجمرة والشعلة المتوقدة.

وقد حاول الراحل الدكتور حسن حنفي عبر حياته وجهوده الفكرية التأسيسية، رغم ما تعرض له من هجوم ونقد وتجريح في شخصه وفكره وعقيدته، أن يبحث عن تلك الجمرة، لكي ينير الأرواح والعقول، ولكي يحفز الهمم للبحث عن جذور نهضتنا في تراثنا وثقافتنا.

وكان الدكتور حسن حنفي يرى أن هذا النموذج الفكري الحضاري، ليس تلفيقًا كما يرى بعضهم، وليس جمعًا بين المتناقضات كما رأى البعض الآخر، وتضحية بمبدأ عدم التناقض المنطقي الشهير، بل هو خيار لا غنى عنه للحداثة والنهضة، بعد أثبتت التجربة في بلادنا أن المفكرين المغتربين الذين تبنوا نموذج الانقطاع الغربي، فشلت مشاريعهم الفكرية في أن تأتي بثمار في الواقع، ورفضهم الناس، كما رفضتهم التيارات الدينية الأصولية التي أصبح لها الغلبة في واقعنا، بعد أن عادت إلى التراث القديم، وحاولت إحياءه بلا نقد أو تجديد أو تنوير.

إعلان