لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ياقوت العرش والإسكندرية مدينة الغرباء

د. أحمد عمر

ياقوت العرش والإسكندرية مدينة الغرباء

د. أحمد عبدالعال عمر
07:00 م الأحد 27 سبتمبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ياقوت العرش، العبد الحبشي، أجل تلامذة المرسي أبو العباس وزوج ابنته. قيل فيه: "إذا شاهدته شهدت له بالولاية، وإذا شاهدك أشهدك الهداية". وقد أخبر به المرسي أبو العباس يوم ولد بالحبشة، وكأنه رآه ببصيرته، وصنع له في الصيف "عصيدة" وهي من الأكلات والحلويات الشعبية المشهورة التي تؤكل أيام الشتاء. فقيل له هي لا تكون إلا في الشتاء، فقال: "هذه عصيدة ولدنا ياقوت ببلاد الحبشة، وسيأتيكم".
وسبب مجيئه إلى المرسي في الإسكندرية أن تاجرا اشتراه مع عبيد من بلاده، فلما قرب من إسكندرية هاج البحر، وأشرف المركب على الغرق، فنذر التاجر إن نجى وهب "ياقوت" للمرسي. فلما دخل الإسكندرية، وجد بياقوت مرضًا جلديًا، فأتى للشيخ بغيره. فرده المرسي وقال له: الذي عينته للفقراء غير هذا. فأحضره إليه التاجر وقال: ما تركت إحضاره إلا لما ترى.
فقال المرسي: هذا الذي وعدتنا به القدرة، فرباه وسلكه وأذن له في التربية وسماه ياقوت العرش؛ لأن قلبه كان دائما ينظر إلى العرش، وليس بالأرض إلا بدنه. أو لأنه كان يسمع أذان حملة العرش.
عندما جاء ياقوت إلى الإسكندرية كانت رحيمة به كعهدها مع الغرباء، وأعطته ما لا يمكن أن تُعطيه مدينة أخرى. وقد خدم المرسي أبو العباس، واقترب وتعلم منه، حتى أنه تزوج من ابنة شيخه المرسي، ومكثت عنده ثمانية عشر عامًا.
ورُوي أنه كان لا يقربها حياءً من أبيها، حتى فارقها بالموت وهي بكر. وقد بلغت من علو مكانتها عنده، أنه كان إذا دخل عليه أحد من الأكابر وهو يُكلمها لا يقطع حديثها، ويقول بنت شيخي اعذِروني.
قيل إن أحد الأشراف دخل عليه ذات يوم بثياب رثة، فوجده بثياب جميلة، فقال: أنت يا مقلوب الشفاتر، يا مشقوق الحافر بهذا الحال، وأنا بهذا الحال.
فقال ياقوت العرش: لعلك نهجت منهج آبائي فحسبوك منهم، فأنزلوك منزلتهم، ونهجت منهج آبائك، فحسبوني منهم، فأنزلوني منزلتهم، فبكى الشريف واعتذر له.
وقدم عليه السلطان حسن من مصر ليزوره، فلما أبصره قال في باله: عبد أسود أُعطي هذا..! فلما دنا منه ضربه الشيخ على رأسه بمدية سبع ضربات، وقال يا حسن: "إن هو إلا عبد أنعمنا عليه".

مات ياقوت العرش بالإسكندرية سنة 707 هجرية، ودفن بها في مقامه الكائن بحي بحري، أعرق وأجمل أحياء الإسكندرية. وقد بني حول المقام مسجد عظيم صار اليوم مزارًا لكل عشاق ياقوت العرش، إلى جانب مقام ومسجد صهره المرسي أبو العباس، وباقي مقامات الأولياء الموجودة في حي بحري.
ومن الطريف أن الشاعر السوداني الراحل محمد الفيتوري قد سكن بحي بحري في طفولته وصباه، وكان يمر على مسجد ياقوت العرش في طريقه لمدرسته، ويزوره مع والده، فأحبه، وكتب فيه لاحقا أجمل قصائده، وهي قصيدة ياقوت العرش، التي قال فيها:

تاج السلطان الغاشم تفاحة
تتأرجح أعلى سارية الساحة
تاج الصوفي يضيء
على سجادة قش
صدقني يا ياقوت العرش
إن الموتى ليسوا هم
هاتيك الموتى
والراحة ليست
هاتيك الراحة.

إعلان