لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ذكرى وفاة أحمد رجب

د. عمار علي حسن

ذكرى وفاة أحمد رجب

د. عمار علي حسن
07:02 م الخميس 17 سبتمبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تمر هذه الأيام الذكرى السادسة لرحيل الكاتب الساخر الأستاذ "أحمد رجب"، الذي وافته المنية في 12 سبتمبر 2014، عن ستة وثمانين سنة، لكن الشخصيات الكاريكاتورية التي أبدعها ستعيش طويلًا؛ لأنها تمثل جانبًا مهمًا من تاريخنا الاجتماعي المعاصر، الحافل بأوجاع كثيرة ومسرات قليلة، كان، رحمه الله، صاحب موهبة لاذعة، وتمتع بحس فكاهي عميق، وحافظ على درجة معقولة من الاستقلالية والاستقامة، وانحاز لأشواق الناس إلى العدل والحرية والكرامة.

وها هو ينضم إلى من رسم شخصياته باقتدار ورحل قبله بقليل، الأستاذ "مصطفى حسين"، وهناك في رحاب ذي الجلال سيتصالحان إلى الأبد، مع قلوب صافية، ونفوس راضية مرضية.

وقعت عيني على اسم "أحمد رجب" وأنا في المرحلة الإعدادية حين كنت أشتري الجريدة بثلاثة قروش من عم إيليا في القطار الذي أرتاده مع زملاء يجدون في التعليم فرصة وحيدة؛ لتحسين شروط حياة صعبة، وقرأت "نص كلمة" وتعلقت بها، وكنت أبدأ الجريدة من الصفحة الأخيرة حيث الكاريكاتير الذي كتب هو كلماته القصيرة الساخرة العميقة ورسم "مصطفى حسين" ما يعبر عنها.

وأيام الجامعة قرأت له كتابه الشيق "الأغاني للأرجباني" الذي جعل من عنوانه المعادل البسيط الساخر من كتاب "الأغاني للأصفهاني" الذي حفظ أعمال شعراء العرب الأقدمين. في كتابه الذي تقرأه في جلسة واحدة من خفة ظلة ووضوح معناه، يقارن رجب بين كل الأغاني المتداولة لأغلب، إن لم يكن كل المطربين، ليثبت أن كلمات أغانيهم متشابهة بل ومتطابقة، وأن أغلبيتها الكاسحة تدور حول موضوع واحد وهو "الحب" ويقول إن في الغرب مطربين يغنون لأشياء ومعانٍ أخرى، فبعضهم يغني لوردة يانعة، أو قيمة نبيلة، أو رحلة ممتعة، أو سحابة بيضاء عابرة، فتصور كلمات الأغاني شعرًا ما يلهم الرسامين فيبدعون لوحات جميلة.

وقبل أيام من رحيله كنت أطالع كتابه الأخير "يخرب بيت الحب" الذي يكمل به كتابه "الحب وسنينه"، لاعبًا على وتر العلاقة بين الرجل والمرأة في الحب والغزل والزواج والتزاماته. ولا يمكن أن ننسى الأفلام الكوميدية السينمائية والتليفزيونية التي كتب قصصها وفصل لها السيناريو مثل "الوزير جاي، فوزية البرجوازية، شيء من العذاب، نص ساعة جواز، وشنبو في المصيدة" وغيرها، وجميعًا تفضح الترهل والفساد الإداري وبؤس الأيديولوجيات وتدهور القيم الاجتماعية واتساع الهوة بين الحاكم والمحكومين.

ويبقى أروع ما في رجب أن شخصياته الكاريكاتورية مثل: "فلاح كفر الهنادوة، مطرب الأخبار، عبده مشتاق، كمبورة، عزيز بيه الأليط، والكحيت...إلخ"، تمشي بين الناس، وكأنها من لحم ودم وعظام. وحين يقول بعض الكتاب إن رجب اكتشف تغريدات تويتر مبكرًا فهم لا يبالغون، فـ"نص كلمة" كانت جملة واحدة محتشدة بموقف واضح، ومعنى عميق، ومغلفة بسخرية لاذعة. وهذه طريقة ألهمت كثيرين، منهم سيد الساخرين العبقري الراحل "جلال عامر" الذي زاد عليها بإبداع فن السرد المكثف الساخر المتفاعل مع الأحداث الجارية، والذي يغرف في الوقت نفسه من معين ثقافي فياض، ويكتب الآن الدكتور أشرف السويسي "ربع كلمة" ويجيدها على منوال رجب، وهناك سلطان الحجار، الصحفي بمجلة "أكتوبر" سابقًا و"جريدة الاتحاد" الإماراتية حاليًا، والذي جمع ما كتبه في كتابين أهداهما إليَّ قبل شهور.

لقد شق أحمد رجب طريقًا في فن الكتابة الساخرة، سيظل يلهم الذين جاءوا بعده، ويجعلنا دومًا نتذكره ونترحم عليه.

إعلان