لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

من الثانوية للكلية...

د. غادة موسى

من الثانوية للكلية...

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

06:58 م الأربعاء 12 أغسطس 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

الثانوية العامة في مصر "حالة". حالة اجتماعية ونفسية واقتصادية وسياسية. ظرف سنوي يشبه "إدارة الأزمة". أزمة كل البيوت المصرية. وصاحب تلك الأزمة اقترانها بتهديدات وصلت لحالات انتحار شهدتها أسر وشوارع وطرقات أمام مدارس ولجان.. فقط بسبب عدم القدرة على حل امتحان أو بسبب مجموع منخفض. هل يمكن أن نتصور أن تصبح سنة دراسية محددة لمستقبل مجتمع وأسر بأكملها؟ الإشكالية أننا صدرنا تلك الحالة النفسية لعدد من الدول العربية. فقد لاحظت على وسائل التواصل الاجتماعي اهتمامًا غير مسبوق في عدد من الدول العربية الشقيقة بإبراز نسب النجاح في الثانوية العامة، إضافة للأصدقاء العرب الذين نشروا درجات أبنائهم.

أن تصبح درجة امتحان معيارًا لتقييم جودة التفكير والقدرة على إعمال العقل هو أمر لا أقتنع به كثيرًا. وقد يخالفني الكثيرون الرأي. ورغم أنني دخلت بمجموع "كبير" كلية قمة- كما يطلقون عليها- فقد كانت رغبتي الأولى فنون جميلة، وكانت رغبتي الثانية حقوق. ولكن المجتمع وضغوطه وحالته النفسية ساقني "عنوة " لإحدى كليات القمة.

ومنذ ذلك الحين أتساءل عن معنى "كلية قمة" أو كلية "لا قمة"... أليست جميعها علومًا؟، وأليس المجتمع في حاجة لكل تلك العلوم؟ ما معنى أن يرغب معظم خريجي الثانوية العامة في دخول كليات طب وهندسة وسياسة واقتصاد، ويتركون كليات أو علومًا تبني شعوبًا كالعلوم والفلسفة والزراعة مثلا! ثم ينعكس ذلك على المجتمع من خلال تقسيمه لأهل القمة وأهل ما دون ذلك. وتنشأ العقد النفسية ومحاولات اللحاق بهذه الكليات بأي شكل أو طريقة ممكنة.

ما زلت أعد نفسي من مدرسة تكامل العلوم والمعارف. وما زلت أرى ضرورة تخليص المجتمع المصري من هذه العقد النفسية، وأهمية توجيه أبنائه لدراسات متنوعة. وهنا لا أنكر أهمية دراسات الطب والهندسة والاقتصاد والعلوم السياسية، ولكن على المجتمع الأكاديمي وعلى المفكرين الذين يبغون إصلاحًا فكريًا وثقافيًا أن يصححوا تلك الأفكار المغلوطة حول العلم والمعرفة. وعلى كليات القمة واللا قمة أن تغذي مقرراتها بعلوم تكميلية. فلا أتصور أن يتخرج طالب كلية الهندسة بدون بعض المعرفة بعلوم القانون الذي سيؤثر في عمله. ولا أتصور أن يتخرج طالب الاقتصاد والعلوم السياسية بدون بعض المعرفة بعلوم التكنولوجيا التي باتت تؤثر في موازين القوة وفي عمل الاقتصاد. وبالمثل، لا أتصور أن ينقص خريج الطب علوم القانون وحقوق الإنسان.

وليس أدل على ما أقول من أن الفلاسفة والحكماء في: "العصور القديمة والوسيطة في مصر وبابل وآشور والقدس وروما وآثينا"، قد أعلوا من شأن الفلسفة والمنطق والفلك والرياضيات، ولم يفصلوا بينها. فنادرًا ما نجد عالمًا متخصصًا في فرعٍ واحدٍ من أفرع المعرفة.

وقد ورث التعليم الغربي هذا النهج عن هؤلاء العلماء، فلا نجد في مدارس الإرساليات -على سبيل المثال في مصر- شيئا اسمه علمي وأدبي. فلا بد من دراسة علوم إنسانية وعلوم طبيعية.

وقد آن الأوان في مصر أن نطبق هذا النهج. فيختار طلاب الثانوية العامة تخصصات أساسية وتخصصات فرعية، على أن يكون من بينها الرياضيات واللغات والعلوم الاجتماعية كعلوم أساسية. كما لا بد أن تتقارب درجات التنسيق، فليس من المعقول أن يكون تنسيق الطب ٩٨٪ وتنسيق الحقوق 70٪!، رغم أن الأخيرين هم المسؤولون عن سيادة القانون في الدولة.

وقد اطلعت على تجربة في الصين عن الالتحاق بالجامعات. حيث لا بد للطالب بعد انتهاء السنة الدراسية الثانوية أن يخوض اختبارًا يمكنه من الالتحاق بالجامعة. وهؤلاء -فقط- الذين يجتازون الاختبار لهم الحق في دخول الجامعات بالمجان. وما دون ذلك بمصاريف. وهو ما يجعل الطلاب في حالة تنافس شريف حتى يلتحقوا بالكليات التي يرغبون فيها.

منظومة الثانوية العامة بشكلها الحالي ترسخ الخوف والرهاب والإحباط، وتساعد على زيادة الفجوات المعرفية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمع. وحان الوقت لإصلاحها.

إعلان

إعلان

إعلان