لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

أبوبكر شوقي ودينا إمام.. قدوة للشباب

د. أمــل الجمل

أبوبكر شوقي ودينا إمام.. قدوة للشباب

د. أمل الجمل
07:00 م الإثنين 27 يوليو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

«إن فكرت في صناعة فيلماً كي يناسب المهرجانات، أو الجمهور، أو حتى فكرت في أشياء خارج الفيلم سيكون ذلك أسلوب خطأ في الرؤية. يجب ألا يشغلك ما هو خارج موضوع الفيلم، الأهم أن تفكر في كيف تصنعه بأفضل ما لديك من طاقة وجهد».

إنها كلمات ترددت بشكل أو بآخر - في أكثر من مناسبة - على لسان كل من المخرج المصري أبو بكر شوقي وزوجته المنتجة دينا إمام، عقب النجاح الكبير الذي حققه فيلمهما «يوم الدين» منذ عرضه الأول في مهرجان كان السينمائي، وحصوله على جائزة من الجونة السينمائي، وترشيحه ليُمثل مصر في قائمة أفضل فيلم أجنبي للأوسكار، ثم حصول أبوبكر على جائزة أفضل موهبة عربية من مجلة فارايتي، إضافة إلى العديد من الجوائز والترشيحات.

عندما تتأمل أحاديث أبوبكر تكتشف فيه إنساناً على قدر كبير من الوعي والثقافة والصدق، تُدرك أنه يمتلك إرادة وعزيمة لا تجعله يستسلم، إيمانه بحلمه يدفعه دوما للبحث عن نافذة وحلول أخرى. دائماً يبحث عن الأفضل، مهما تكن الإمكانيات محدودة. لديه ثقة كبيرة بنفسه لكنها لا تمنعه من مراجعة الذات وإعادة تقييمها. يمتلك أسلوباً مختلفاً في الطريقة التي ينظر بها للناس والأشياء والقضايا. ينفعل بهموم الناس ويقترب منهم، ويحترمهم دون أن يُطلق عليهم أحكاماً مسبقة، يُساعده على ذلك رغبته في الاستكشاف والمعرفة، واحترام الآخر، وهذا في تقديري؛ لأنه نتاج تزاوج حضاري ثقافي خَصَّب وأثرى شخصيته؛ فوالده طبيب مصري، ووالدته سيدة نمساوية عاشقة لمصر وتُجيد الحديث بالعربية.

بين السينما والسياسة

درس أبوبكر السينما، لكنه أصر على دراسة السياسة في ذات الوقت. كان ذلك يعني أن يبذل جهدا مضاعفاً، لكنه تفانى فيه حتى يُنَوّع الروافد التي تُغذي مساره ومشروعه السينمائي. أثناء دراسته في معهد السينما قام بتنفيذ عدد من المشاريع القصيرة للتدريب على الإخراج، منها "أشياء سمعتها يوم الأربعاء".

ولدت فكرة الفيلم عندما توفي جده لوالده، الذي بسببه كانت العائلة تجتمع يوم الأربعاء، وكان أبوبكر يُنصت إلى حكايات جده عن مصر وتاريخها، وأشياء أخرى. الشعور بضرورة توثيق هذه اللحظات خوفاً من ضياعها كان السبب الرئيسي وراء صناعته.

آنذاك، اعتقد أبوبكر شوقي أنه يقوم بواجبه من تدريبات بتفانٍ وجهد، لم يكن يشغله الاشتراك بمهرجانات، أو مسابقات. لكن المفاجأة أن الفيلم لاحقاً طاف مهرجانات عدة. قدم المخرج الشاب عدة أفلام قصيرة، أغلبها يتعلق بحقوق الإنسان، وحتى فيلمه الروائي الطويل الأول «يوم الدين» لا يخرج عن هذا الإطار، لكنه يُؤكد أنه لا يتعمد اختيار موضوعات تتعلق بحقوق الإنسان، انجذابه للموضوع أو الفكرة هو الذي يحكم اختياراته وليس اعتبارات أخرى.

ثم جاء فيلم «المستعمرة» الذي عرض بمهرجان الإسماعيلية، ولفت الأنظار إليه، لكن بعدها اختفى أبوبكر لعدة سنوات، إلى أن ظهرت أخبار عن فيلمه «يوم الدين»، وكنا نتساءل آنذاك؛ مَنْ هذا المخرج؟! وحين تأتي الإجابة أنه قدم فيلم «المستعمرة» - عن مرضى الجذام - تعود فوراً صورة ذهنية فيها قدر من الثقة بهذا الاسم الذي عاد للذاكرة بسبب قوة عمله.

اختلافات وتشابهات

«يوم الدين» فيلم خارج العادي والمألوف، صحيح أنه ليس الأول من نوعه من حيث كونه فيلماً مصرياً مستقلاً أنتجه صُناعه عن طريق دعم الأصدقاء والأهل، ففي تاريخ السينما المصرية نماذج لمخرجين باعوا سياراتهم، وساندهم الأهل والمقربون كي يصنعوا أفلامهم الأولى.

كذلك قدم إبراهيم البطوط في شريطه «إيثاكي» شخصيات حقيقية كان أغلبهم من غير الممثلين في تجربة أخرى مستقلة ومختلفة.

مع ذلك، تظل تجربة «يوم الدين» لها خصوصية كبيرة، وتختلف عن السينما المستقلة الفقيرة في الإمكانيات الإنتاجية التي صُنعت في ظروف مُشابهة تقريباً. فأبوبكر شوقي كان لديه سيناريو مكتوب بالكامل يتضمن كافة التفاصيل، مع ذلك كان يتمتع بمرونة كبيرة للتصرف والتعديل تحت ضغط العمل وتطورات الظروف وضعف الإمكانيات المادية أثناء التصوير، بينما البطوط حتى في أفلام الروائية الخالصة لم يكن يكتب أي سيناريو ولكن مشاهد بها إشارات وملاحظات ثم يترك المجال للممثلين حتى يرتجلوا.

رغم الاختلافات العديدة بين التجربتين، لكن تظل تجمعهما هذه الروح المقاتلة، المخلصة للسينما، المُصرة على صناعة الفيلم، حتى من دون وجود منتج، ومن دون ممثلين، ومن خلال شخصيات حقيقية.


شريط الصوت

«يوم الدين» هو ليس فقط أحد أفلام الطريق الذي يعتمد على رحلة يقوم بها بشاي، مريض الجذام، بحثاً عن أهله، لكنه أيضاً يعبر عن رحلة الإنسان في الحياة، الفقد، المكسب، الخسارة، خط الحياة المتعرج بين الفرح والحزن، عن الشعور بالوحدة والخوف من النسيان بعد الموت، وخفايا الرغبة الملحة في البحث عن الجذور، وكيف يتحرر الإنسان من أحزانه.

التصوير - خصوصاً الليلي - بمختلف زواياه، بأحجام اللقطات، والديكور والإكسسوار بالفيلم لافت ومعبر جداً، لكن أيضاً شريط الصوت جزء أساسي من تكوين الصورة، وبدونه تفتقد الصورة كثيراً من قوتها، سواء في لحظات الصمت أو حتى في وجود المؤثرات الصوتية والموسيقى خاصة الأغاني لتجسيد خلفية المكان وتكثيف الحالة الشعورية للأبطال، ومنها مثلاً «بالسلامة يا حبيبي تروح وترجع بالسلامة» وهي أغنية من مقدمة برنامج شهير بالإذاعة المصرية، ثم مقطع «يا صباح الخير يللي معانا» لأم كلثوم، وبعض الأناشيد الصوفية في أكثر من موقع بالفيلم، كذلك اختيار التواشيح القادمة من المسجد؛ «له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير…»، فتوظيف المخرج لها تم في لحظة قوية تعبيرا عن استسلام البطل للقدر.

وأخيرًا أغنية «الحلو ده» لفرقة الفور إم، والتي أعتقد أن المخرج لم يخترها فقط من أجل غرس لحظات من البهجة في جزء مفصلي من الفيلم لتخفيف شحنة الشجن والحزن، لكن أيضاً لأنها تؤكد المعنى القائم في العنوان عن المساواة بين جميع البشر يوم الدين أو يوم القيامة، وهو ذات المعنى الذي يؤكده للمرة الثالثة مشهد ضرب بشاي في القطار على أيدي «الكمساري» فيصرخ مدافعاً عن نفسه بجملته المؤلمة: «إيه يا عّم… هو أنا مش بني آدم ولا إيه؟» وهي الجملة التي يترك المخرج بعدها لحظة قوية من الصمت الثقيل كأنه يترك الفرصة للمشاهد كي تتردد الجملة في أذنه برنين قوي يمنحه التأمل ذو الدلالات.

لماذا الآن؟!

إن شرح وتحليل اللغة السينمائية بفيلم «يوم الدين» يُمكن أن يطول. لكن لماذا أتحدث عنه الآن؟ لأن مركز السينما العربية اختارني لمحاورة المخرج، وذلك ضمن سلسلة لقاءات أسبوعية يقوم أثناء أعضاء لجنتي تحكيم جوائز النقاد للأفلام العربية، وجوائز النقاد العرب للأفلام الأوروبية بإجراء حوارات مع صُناع السينما الدوليين، وهذه اللقاءات تُبث لايف على صفحات مركز السينما العربية على مواقع التواصل الاجتماعي إنستجرام، بالإضافة إلى أنها ستكون متاحة لاحقاً بترجمة للعربية أو الإنجليزية على الموقع الإلكتروني acc.film. وهي خطوة جيدة تحسب لمركز السينما العربية.

أسعدتني تجربة الحوار عن كواليس صناعة هذا الفيلم وتجربة أبوبكر وتكوينه الإنساني والثقافي واللغة السينمائية بفيلمه، إضافة إلى رأيه في الإنتاج السينمائي واقتراحاته بشأن النهوض به ودعم الشباب، كذلك حديثه عن دور المنتجة دينا إمام التي صدقت حلمه، وقررت العمل معه حتى في غياب الدعم؛ رغم أنها كانت تعمل في أماكن تدفع لها جيدًا.

أكد لي الحوار أن «يوم الدين» قدم لنا مخرجاً ومنتجة مخلصين لمهنتهما بقدر إيمانهما بأحلامهما، مثلما كشفت تجربتهما الأولى في الإخراج والإنتاج الروائي الطويل أنهما نموذج يستحق أن يقتديَ به الشباب الممسوس بصناعة سينما مختلفة ومغايرة رغم أي ظروف.

إعلان