لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

علاء الغطريفي يكتب: المسألة التركية "4".. الدين "البوريك"

علاء الغطريفي

علاء الغطريفي يكتب: المسألة التركية "4".. الدين "البوريك"

علاء الغطريفي
04:47 م السبت 25 يوليو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يحفِل التاريخ التركي الحديث بالاستخدام المنظم للدين في السياسة رغم علمانية الدولة، فهذا الدين المتأثر بالإمبراطورية السابقة لم يكن يحكم تلك الأقطار بسوى وحدة، ظاهرها الدين، وباطنها السياسة، فالأقلية العرقية المتغلبة هي تركية ريفية تعيش في الأناضول فقط.

ولذا؛ كان الاقتراب أو الابتعاد عن الدين هو شأن سياسي، فابتعاد الدولة المتطرف عن الدين في العشرينيات كردة عن زمن الإمبراطورية العثمانية راكم، أيضا، اقترابا متطرفا للدين السياسي، ظهر بوضوح في الأربعينيات ثم مر بمراحل مجابهة وصعود حتى انتهينا إلى مشهد "آيا صوفيا" الاستعراضي بالأمس.

في هذه الحلقة من المسألة التركية نتناول الدين التركي الذي يعشق الطلاء، ويصنع أكذوبة جديدة بجلب التاريخ للحاضر، ليضيف للمشهد مزيدا من الارتباك والتعقيد.

هوية غامضة ودين للسياسة

لدى تركيا هوية غامضة ملتبسة، قلقة مضطربة، تعيش ازدواجية مركبة، لا مثيل لها، فبينما تقدم نفسها على أنها علمانية معتدلة تستوعب الجميع، تمارس أفعالا ماضوية تذكى النعرات والصراعات الدينية.

البحث عن هوية في ظل مشاعر أمة مهزومة، بعد الحرب العالمية الأولى، أدى بها إلى هذا الالتباس الذي تعانيه حتى اللحظة.

هذه الهوية القلقة دفعت الأتراك إلى مزيد من التشوش وفقدان البوصلة، وجرى الصراع دائما على أرضية ارتباك بالنسبة لهوية الشعب التركي وأساس دولته.

الدين العثماني بدا مثل البوريك - أحد أشهر مخبوزاتهم، تستطيع حشوه بما تشاء، ليناسب كل لحظة وكل موقف، وتهرب به من استحقاقات الواقع ومتطلبات الاتساق مع الذات، وتستخدمه في السياسة لتنتزع به قواعد التأييد في الداخل والخارج وتخدع به الشعوب، وتحقق الأطماع بصبغات التبرير الديني والتلاعب بالعقائد والمشاعر.

رغم كل ما فعله أتاتورك نفسه بفرض علمانية قسرية على شعب الأناضول المهزوم بعد الحرب العالمية الأولى، ظل الدين المسيس أو السياسة الدينية محركا رئيسا للشأن التركي الداخلي حتى وإن بدا خافتا منذ العشرينيات حتى أواخر الأربعينات.

بدت الصورة مقاربة عجيبة بين وجه علماني معلن وآخر ديني سري، واستمر الصراع بين الوجهين حتى طرح الوجه الديني السياسي نفسه حاكما عام 2002 ويمارس سلطته حاليا ممثلا في أردوغان بالغلبة، رغم أننا في الألفية الثالثة.

الدين خادم للسياسة، هكذا يقول تاريخ تركيا الحديث، ومن ثم تسقط أقنعة الدين، عند الحديث عن جمهورية الأناضول.

فالحلم التركي المرتبط بالدين والرخاء الاقتصادي، الذي شغل العرب بسذاجة منذ بداية الألفية الثالثة كان هدفا للسياسة التركية التي استخدمت تلك الفكرة وخاطبت بها الجماهير العربية في زمان قاسٍ وصعب، لتسقط معظمها في الفخ التركي، بوصفه نعمة في زمن النقم!

استخدام الدين دأب تاريخي للمستبدين والطامعين والمحتلين، هكذا وجدناهم دائما ألا نتذكر أفعال بونابرت في مصر أو سلوك الإنجليز في المحروسة أو ما خطه المؤرخون على مر العصور.

1

الإيمان التركي

أتاتورك نفسه، رغم أنه حارب كل المظاهر الدينية، لم يقترب من المساجد والزوايا ورغم تطرفه العلماني أبقى على بعض المظاهر الدينية بغية تمرير سياسته وتجنب التأثير على فرض التوجهات العلمانية على الجمهورية الجديدة.

لم يكن أتاتورك يحارب المظاهر الإسلامية؛ لأنه لا يملك إيمانا فحسب، بل ليتمثل بالقومية الأوروبية المتشددة التي ترفض أي ملامح للتنسك الشرقي والإسلامي.

وكان لديه سبب آخر ليجعل الإسلام مجرد إيمان شخصي، التقسيم للقضية الدينية التركية، فهناك علويون شيعة وثيقو الصلة بإيران ومجموعات "الطرق" الدراويش والجماعات الصوفية التي تجمع بين عناصر وثنية مما قبل الإسلام وتفسيرات غيبية للإسلام السني.

وواجهت الدولة المسلمين العلويين الشيعة، وارتكبت بحقهم مجارز دموية، كما حدث في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، بسبب الكراهية السنية ونزعة الاستقلال العلوية.

كما يعد "الدراويش" رقما مهما في المعادلة، فتعددت، وتنوعت طرائقهم، وتضرب بجذورها منذ قرون في الأناضول، حيث ازدهرت في المناطق الريفية الوسطى ومن الناحية الروحية داعبت المشاعر الدينية العامة الزاهدة، فيما كانت تقوم بوظائف اجتماعية واقتصادية مما يفسر مرونتها أمام الاضطهاد وولاء أنصارها لها.

وتحولت إلى شيء أشبه بالماسونية، وطبيعتها تضعها دائما في مواجهة الدولة من فرط مشاعرها الدينية القوية في مواجهة العلمانية الأتاتوركية.

حتى السبعينيات من القرن العشرين أثبتت الدولة العلمانية قدرتها على التعامل مع القوى الدينية لكنها بعد ذلك أخذت تتعثر في سبيل الحفاظ على علمانية الدولة في وجه تنامي تقوّي الشخصية الدينية وتزايد الاهتمام بالدين كقوة سياسية، ولقد سعت للحفاظ على أمن الدولة الداخلي، ولا سيما في الجنوب الشرقي الكردي.

اضطرت الحكومات التركية بعد ذلك إلى التعامل مع التيار الديني الشعبي شيئا فشيئا، ووجدت مصلحتها في الانضمام لمنظمة المؤتمر الإسلامي رغم أنها دولة علمانية، مؤسسها يعادي الإسلام بالأساس.

هذه السياسة كانت محكومة بالطبع بعدم تجاوز الخطوط الحمراء للثقافة العلمانية الغربية، والمؤسسة العسكرية كانت الحامي للحفاظ على مكتسبات الكمالية الأتاتوركية.

وبدأ الصعود للتيار الديني في السياسة منذ السبعينيات، وفى منتصف التسعينيات كانت أبرز لحظاته بفوز حزب الرفاه، بزعامة نجم الدين أربكان، في الانتخابات البرلمانية، وانتهى استطلاع أمريكي عام 1996، إلى أن 47% من الأتراك يعتبرون تركيا جزءًا من المجموعة الإسـلامية و27% يعتبرونها جزءًا من أوروبا في حين أن 15% يقولون بالرأيين.

واستمر المد الديني في السياسة التركية حتى استطاع حزب العدالة والتنمية أن يرث أحزابا دينية قبله ويحظى بالأغلبية، ويشكل الحكومة، ويظل على رأس السلطة حتى اللحظة، في لحظة تخبط سياسي وتراجع اقتصادي وضعف للقوى السياسية الأخرى بالذات التي تحمل التوجهات الكمالية.

أمسِ، في استعراض آيا صوفيا ومشهد زيارة أردوغان - قبر محمد الفاتح، إنتاج تركي جديد لاعتلاء مطية الدين لامتلاك المزيد من أوراق السياسة، لم أرَه سوى "أزرق" إحدى الشخصيات الروائية لأورهان باموق، يبدو أوروبيا وفى نفس الوقت متمسك بإسلامه الظاهري، قاتل في أفغانستان والشيشان، لكنه في الوقت نفسه يضاجع الفتيات المتزوجات وغير المتزوجات، في ازدواجية يبدو أنها لن تغادر تركيا المتناقضة.

وإلى حلقات جديدة في المسألة التركية..

اقرأ أيضاً الحلقات السابقة:

علاء الغطريفي يكتب: المسألة التركية "1".. لماذا تكره العرب؟

علاء الغطريفي يكتب: المسألة التركية "2".. نعادي قوميتكم وعبدالناصر أيضًا!

علاء الغطريفي يكتب: المسألة التركية "3".. لدينا مياه العرب!

إعلان

إعلان

إعلان