لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

العيب المتأصل في البشر وضرورة الفرز من المنبع

د. أحمد عمر

العيب المتأصل في البشر وضرورة الفرز من المنبع

د. أحمد عبدالعال عمر
07:07 م الأحد 19 يوليو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع


يعرف المُشتغلون في مجال حفظ وترميم المخطوطات الأصلية ما يُعرف باسم "العيب المتأصل" في بنية المادة التي صُنعت منها المخطوطات، والذي يعني ببساطة أن المخطوطات المُصنوعة من مواد عضوية معينة أو المكتوبة بحبر حديدي، تحتوي بداخلها على عوامل تدهورها وبذور دمارها، كجزء لا يتجزأ من تركيبها. وأن تلك العوامل سوف تؤدي حتمًا بعد فترة زمنية معينة إلى تدمير المخطوط كوعاء مادي للمعرفة، وكنص مكتوب.

وفي هذه الحالة تُصبح وظيفة أساليب الحفظ والترميم الخاصة بالمخطوطات هي إبطاء عملية التدهور والتدمير الذاتي بقدر الإمكان، من أجل إطالة عمر المخطوط كوعاء مادي للمعرفة لأطول فترة ممكنة، مع الإسراع بعمل نسخة رقمية من المخطوط، حتى لا نفقد ما يحتويه من نصوص ومعرفة وتراث إنساني.

ولو انتقلنا بمفهوم "العيب المتأصل" من مجال المخطوطات الأصلية إلى مجال الحياة العامة، ومختلف جوانب حياتنا المهنية والسياسية والثقافية والإعلامية، وما بها من نماذج بشرية- بلا قيمة حقيقية شكلًا ومضمونًا بعكس المخطوطات الأصلية- يُمكن القول إن هؤلاء يحملون في تكوينهم عيوبا متأصلة وتشوهات نفسية وفكرية وسلوكية، لا يمكن إصلاحها أو تقويمها، لأنها أصيلة فيهم.

وهؤلاء من منظور درامي يسيرون بتلك العيوب المتأصلة نحو تدهورهم التام وزوال دورهم ووجودهم، وبشكل عادل تصنع فيه بداياتهم المشوهة والمبتذلة شكل نهاياتهم.

ولكن للأسف الشديد، هؤلاء لا يختفون عن المشهد إلا متأخرين ومضطرين، بعد أن يفسدوا حياة البشر حولهم. وبعد أن يهدروا الفرص والإمكانات في الكثير من المؤسسات والسياقات العامة. وبعد أن يزرعوا في تربتها الكثير من التشوهات وأشكال الفساد.

وأظن أن أفضل طريقة للتعامل مع هؤلاء، وتجنب أضرار وجودهم على البشر والحياة العامة ومؤسسات الدولة تأتي من عالم صناعة وتدوير القمامة، عبر آلية "الفرز من المنبع" التي تُصنف القمامة من البداية، وهي في البيوت درجات على أساس قابليتها لإعادة التدوير أو تجميعها والتخلص منها بالحرق باستمرار.

وهذا الفرز هو عملية وطنية بالغة الأهمية، وخاصة في هذه المرحلة شديدة الخطورة من تاريخنا. وهي تقع اليوم على كاهل أجهزة المعلومات والأجهزة الرقابية المنوط بها حماية وصيانة المجتمع والدولة، وتنظيف المشهد العام من معطوبي الشخصية والفكر والسلوك والنوايا، ومنع صعودهم المهني والمجتمعي، وتصدرهم المشهد العام في أي سياق أو ميدان، والحد من أضرار وجودهم على الحياة العامة والمؤسسات والبشر بقدر الإمكان.

إعلان