لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

علاء الغطريفي يكتب: الفيدرالية VS كورونا.. ألمانيا أم أمريكا؟

علاء الغطريفي

علاء الغطريفي يكتب: الفيدرالية VS كورونا.. ألمانيا أم أمريكا؟

علاء الغطريفي
05:37 م الإثنين 20 أبريل 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

" ق. ك"، "ب. ك " يمكن أن تضعها وأنت مرتاح البال عندما تتحدث عن العالم سواء في الحاضر أو الماضي أو المستقبل،" ق. ك " أي قبل كورونا، " ب. ك" أي ما بعدها.

أرى كورونا تاريخا أو تقويما مثلما فعلت الإنسانية مع التاريخين الميلادي والهجري. الوباء أثار أسئلة أكثر كثيرا مما طرح من إجابات، حتى الإجابة عن عبورنا كارثته ظلت سؤالا فقط!

كورونا يعيد النظر في كل شيء بما فيها حتى شكل الأنظمة السياسية، وهو ما نثيره هنا بالحديث عن الفيدرالية كنظام حكم، سواء في ألمانيا أو الولايات المتحدة اللتين وضعهما كورونا في ساحة التقييم والجدارة.

أعلنت ألمانيا سيطرتها على انتشار الوباء على أراضيها، بعد أن أوصلت معدل الانتشار إلى أقل من شخص، أي أن كل شخص يصيب فقط أقل من شخص.

في إيطاليا وصل في بعض المناطق إلى 4، أي أن كل شخص يصيب 4 أشخاص.

كانت كفاءة النظام الفيدرالي الألماني نقطة القوة الرئيسية في مواجهة كورونا، وتأتى في إطارها كل الإجراءات الأخرى التي ترجمت جهدا اتحاديا منظما، سارت فيه الولايات الألمانية على نهج واحد، تديره برلين ووراءه صرح علمي رصين هو معهد روبرت كوخ، الهيئة الحكومية المخولة رسميا بمواجهة أزمة كورونا.

أي أن السياسة والعلم اجتمعا، فنجحت ألمانيا في أن تتجنب مصير جاراتها من حيث معدل الوفيات بالنظر إلى أعداد الإصابات؛ فقد سجلت وفيات أكثر من 4650 شخص من 144 ألف إصابة، وهو ما لا يقارن بوفيات دول مثل إيطاليا "23 ألف شخص" وإسبانيا "21 ألف شخص" وبريطانيا "16 ألف شخص".

1

استطاعت ألمانيا أن تستفيد من فيدراليتها، رغم أن نظامها الاتحادي الفيدرالي يعطى سلطات واسعة لكل ولاية، فكل ولاية من الولايات الستة عشرة تعد دولة مستقلة بذاتها، وتملك صلاحيات في مجالات الشرطة والوقاية من الكوارث والقضاء والتعليم والثقافة.

رغم قوة الاقتصاد الألماني ومركزيته في العالم، كان الهدف أولا هو حصار كورونا وخطورته على المدى البعيد، وكانت الأولوية البشر وهو ما عكسته القيادة، رغم تأثر مراكزها الاقتصادية الصناعية والصناعية الكبيرة، في ميونيخ وشتوتجارت والراين وفرانكفورت وهامبورج، وبرلين وبراندنبورج، مركزي الشركات الصاعدة والناشئة.

لعبت شخصية ميركل دورا كبيرا في توحيد الجهود، رغم التشابك والتداخل بين مجالس الولايات والحكومة الاتحادية والبوندستاج "البرلمان"، سمة النظام السياسي الذي بنى على تجنب خطيئة جمهورية فايمار التي جاءت بهتلر في الثلاثينيات.

على الجهة الأخرى، على بعد أكثر من 6 آلاف كيلو متر، تبدو فيدرالية الولايات المتحدة عاجزة في مواجهة كورونا، فقد سجلت أكثر من 39 ألف وفاة وأكثر من 700 ألف إصابة، في حصيلة تضعها في المرتبة الأولى بين دول العالم المتأثرة بتفشي جائحة كورونا.

عانت الولايات المتحدة في أزمة تفشى كورونا من فيدراليتها، بل صارت سببا رئيسيا في عجزها عن مواجهة انتشار الفيروس، فغابت آلية فحص وطني موحدة من البداية، مما أضر بجهود مكافحة الفيروس، كما دفعت البلاد ثمن استهانة ترامب رئيسها الاتحادي، رغم اطلاعه على معلومات استخباراتية حذرت من تفشي الفيروس في الصين ومخاطر انتقاله إلى الولايات المتحدة.

ظهر الانقسام السياسي في ظل السلطات الواسعة للولايات الخمسين، ودارت ملاسنات وحرب إعلامية بين ترامب وحكام الولايات، رغم الظروف الاستثنائية التي لم تمر البلاد بمثلها منذ الحرب العالمية الثانية.

الفيدرالية الأمريكية فشلت حتى الآن في اختبار كورونا، بسبب التباين بين الولايات في الإجراءات الاحترازية لمواجهة الوباء، بجانب الضغوط الاقتصادية التي مورست عليها، مما ساهم في انتشار الفيروس.

لم تكن هناك مواجهة مبكرة، وهو ما عبر عنه أنتونى فاوتشي، أكبر خبراء الأمراض المعدية في البلاد، مستشار الرئيس لمواجهة الأزمة: "كان بإمكاننا إنقاذ المزيد من الأرواح"، في تصريح بدا انتقادًا للرئيس وللنظام الاتحادي.

2

ظهرت الولايات المتحدة كأنها دولة تفتقد الإمكانيات، منقسمة على نفسها، بل تعالت الاتهامات بأن ولاية مثل نيويورك "رمز المال والأعمال في العالم" تركتها واشنطن لتواجه مصيرها؛ فقد حصد الفيروس بها أرواح أكثر من 10 آلاف شخص.

كانت أمريكا في أزمة كورونا، تحتاج إلى قبسٍ من نورِ لحظتها التاريخيةِ الأهمّ؛ عندما نجح جورج واشنطن وآخرون في صيغة الاتحاد بين الولايات عام 1787، ولكن ترامب ليس جورج واشنطن أو حتى أيًّا من رؤساء أمريكا السابقين!

مارس ترامب ضغوطا كبيرة على النظام الاتحادي؛ برغبته في مواصلة الحياة بشكل طبيعي، فتأخرت البلاد عن المواجهة، واستمرت نغمته: "بلادنا لم تبنَ لكى تغلق"، وانتهي الأمر، بعد سجالات، إلى خطة متدرجة على 3 مراحل، متروكة فيها سلطة اتخاذ القرار لحكام الولايات، بعد أن أثار عاصفة بالحديث عن سلطته المطلقة في إصدار مثل هذا القرار، استخدم فيه لغة ديكتاتورية لم تعتدها الديمقراطية الأمريكية.

العلم والسياسة لم يجتمعا مثلما فعلت برلين، فالخلاف كان واضحا بين ترامب وفاوتشي الذي يحظى بثقة الناس أكثر من ترامب؛ صحّح كثيرا من أخطاء الرئيس في المؤتمرات العلنية، وتصرف معه الرئيس بعدائية، جسدها بوضوح إعادة نشره وسم "عزل فاوتشي" على تويتر، ليتراجع بعدها البيت الأبيض بتجديد ثقته بفاوتشي.

اختلفت لغة الخطاب للقيادة بين برلين وواشنطن، فهناك فارق بين ظهور ترامب المتكرر الصاخب الشتام والهجومي، والظهور الحكيم والمنضبط لميركل والرئيس الألماني فرانك شتاينماير؛ فالأخير، مثلا، رفض استخدام كلمة الحرب في مواجهة كورونا، بل استخدم تعبيرا آسرًا "مواجهة كورونا اختبار لإنسانيتنا".

يظل نظام الحكم تجربة إنسانية، تختبر دائما في مواجهة الأخطار والأوبئة والكوارث، فأي نظام سياسي يحمل عيوبا وميزات، غير أن سيناريوهات الوعي والمسؤولية هي معيار النجاح لعبور أي أزمة، تتراجع أمامها المصالح والخلافات السياسية والرغبة في حصد المكاسب.

لم يختبر كورونا إنسانيتنا فقط، بل يختبر تراث راكمته البشرية عبر التاريخ.

إعلان