لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

 مهرجان كان.. الحسم بعد التردد والغموض بسبب كورونا

د. أمــل الجمل

مهرجان كان.. الحسم بعد التردد والغموض بسبب كورونا

د. أمل الجمل
10:44 م السبت 18 أبريل 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لم يحدث هذا منذ نهاية ستينيات القرن الماضي. صحيح أن المهرجان الكاني الشهير تعطل له من قبل ثلاث دورات؛ اثنتان منها لم تبدأ أساساً بسبب مشاكل الميزانية والتمويل وذلك في عامي 1948، و1950. أما المرة الثالثة فتوقفت الدورة بعد انطلاقها بنحو تسعة أيام للأسباب السياسية والثورة التي اندلعت عام 1968 حيث تم إلغاء المسابقة في إطار ثورة الشباب، وأدت تلك الأحداث السياسية في العام التالي إلى إقامة برنامج حر تنظمه نقابة المخرجين الفرنسية بمعزل عن إدارة مهرجان كان، وأصبح يُعرف باسم "نصف شهر المخرجين"، والذي يهدف للتعرف على الاتجاهات السينمائية والمخرجين الجدد، وهو برنامج من دون مسابقة.

إذن، هي المرة الأولى منذ ٥٢ عاماً التي يتم خلالها تأجيل دورة لمهرجان كان السينمائي الدولي العريق الذي يُعد أحد أهم وأضخم وأعرق ثلاثة مهرجانات سينمائية في العالم - مع برلين وفينيسيا - وإن كان البعض يُصنف مهرجان كان- والسوق السينمائية التي تُنظم خلاله- بأنه الأهم عالميا، حتى إنه يُطْلَق عليه «أرض الميعاد السينمائي».

كان والأوليمبياد

كان التأجيل شبه متوقع منذ نهاية فبراير، لكن تماما كما فعلت اليابان، وظلت طوال شهري فبراير ومارس متشبثة بالأمل، ومُؤكدة على أن دورة الألعاب الأولمبية التي ستُقام على أراضيها صيف هذا العام ستُعقد في موعدها، إلى أن رضخت للواقع، وأعلنت يوم ٢٤ مارس عن تأجيلها إلى صيف ٢٠٢١.

كذلك ظلت الأخبار الصحفية تتوالى من مهرجان كان السينمائي مؤكدة أن دورة المهرجان ستُقام في موعدها بالفترة ١٢ - ٢٣ مايو القادم. إضافة إلى اتخاذ التدابير الصارمة لضمان حماية ضيوفها، وأن إدارة المهرجان «تُراقب من كثب انتشار الفيروس وتأثيره خاصة بعدما انتشر بشكل كبير في إيطاليا»، مثلما تم نفي التأجيل واستبعاد أن المهرجان سيتأثر بانتشار الفيروس، خاصة أنه لا يزال أمامه شهور لانطلاق الدورة الجديدة، وأنه سيتخذ التدابير اللازمة لضمان حماية رواد المهرجان".

لكن بعد أقل من أسبوعين، عندما ساء الوضع الصحي في فرنسا، وانتشر الفيروس حاصداً الأرواح لتأتي فرنسا بعد إيطاليا وأسبانيا، هنا أعلنت إدارة المهرجان الكاني قراراً بتأجيل الدورة الثالثة والسبعين.

من بين ما جاء في البيان: «نفكّر بضحايا فيروس كوفيد - 19، وفي هذه الأزمة الصحية العالمية، ونعبّر عن تضامننا مع كلّ الذين يكافحون هذا المرض.. لذلك قررنا تأجيل هذه الدورة، وحالياً يجري بحث عدة مواعيد جديدة لإقامة الدورة منها نهاية شهر يونيو أو بداية يوليو القادم، فبمجرد أن تسمح تطورات الوضع الصحي الفرنسي والدولي لنا بإقامة المهرجان، سوف نعلن عن قرارنا بعد استشارة الحكومة الفرنسية وضيوف المهرجان الأجانب وصانعي الأفلام وجميع شركائنا في الحدث».

تأجيل وراء تأجيل

توحي الجملة الأخيرة من البيان بأن هناك تأجيلا آخر محتملا، بل تشي بأن الأرجح هو التأجيل للعام ٢٠٢١، خصوصاً في ظل متابعة الوضع العالمي، فإقامة وتنظيم أي دورة من المهرجان لا تتم بمعزل عن الظروف العالمية. هناك حظر عام وحالة إغلاق يُواجهها العالم بأسره من جراء تفشي فيروس كورونا المستجد أو كوفيد - ١٩.

وفي ظل هذه الحالة من الإغلاق والكساد، وارتباك صناعة السينما حول العالم، كان متوقعا أن تُؤجل مهرجانات سينمائية عديدة، ليس لعدة أشهر فقط ولكن للعام المقبل، فمن الصعب أن يُقام مهرجان سينمائي بشكله التقليدي، كما كان الوضع قبل ظهور وتفشي كورونا المستجد.

وهذا بالفعل ما تشي به - بشكل موارب وغامض - الرسائل التالية من إدارة مهرجان كان، فرغم أن الإدارة كانت قد نفت خيار الـ«أونلاين»، لكن إحدى الرسائل التالية تحدثت بغموض عن صعوبة إقامة الدورة في الموعد الجديد الذي اقترحوه، أي تنفي أن ينعقد في يونيو أو يوليو. إضافة للإشارة لحوارات ومناقشات مع سينمائيين وخبراء حول العالم لبحث البديل، بحجة أن مهرجان كان يُشكل ركيزة أساسية لصناعة الأفلام، ويجب أن يستكشف جميع الحالات الطارئة التي تسمح بدعم السينما، ما يجعل مهرجان كان السينمائي 2020 حقيقيًا بطريقة أو بأخرى».

الاعتراف بالخطأ لن يقلل من قيمتك

الحقيقة، المتتبع لمهرجان كان يُدرك جيدا أن هذا أسلوبهم المتكرر. لا شفافية لما وراء القرارات المفاجئة، أو التراجع عن قرار سبق رفضه. حدث ذلك عندما قرروا فجأة عام ٢٠١٦ نِسبة الفيلم إلى مخرجه، وليس لجهة الإنتاج، بحجة أن هذا هو الوضع الأصح، بينما الحقيقة والمتأمل لإنتاج الأفلام في تلك الدورة يكتشف أن فرنسا شاركت في نسبة كبيرة منها مما كان يشكك في مصداقية الاختيارات ودولية المسابقة. كذلك تكرر الأمر مع أزمة نتفليكس، كانت أسباب أخرى تتعلق بدور العرض الفرنسية.

لماذا أقول ذلك الآن؟ لأن إدارة كان - بعيدا عن نفي التأجيل طويلاً - أرادت التراجع عن رفضها خيار الـ"أونلاين"، لكنهم لا يملكون شجاعة أن يعترفوا بأن رأيهم لم يعد ملائماً للحظة الراهنة. لذلك اخترعوا حكاية المناقشات الدولية والاستطلاع الذي نشير إليه في السطور التالية.

السوق أونلاين.. فهل يتبقى شيء؟!

وصلتني مساء الجمعة رسالة يُصرح فيها المدير الفني للمهرجان تيري فريمو: "لا أحد يعرف ما قد يجلبه النصف الثاني من العام، وما إذا كان من الممكن تنظيم أحداث سينمائية رئيسية مرة أخرى في عام 2020، بما في ذلك مهرجان كان! لذلك قررت إدارة المهرجان تعديل شكله لهذا العام غير المألوف. وإليكم مبادرة أولى: سوق للفيلم على الإنترنت، حيث سيتم إطلاق Marché du Film Online، وهو سوق مستقل عبر الإنترنت سيتم إنشاؤه لدعم صناعة السينما الدولية ومساعدة المحترفين. والتي ستُعقد من الاثنين 22 إلى الجمعة 26 يونيو».

كذلك، يوضح البيان أن الغرض من السوق عبر الإنترنت هو محاكاة تجربة السوق في مهرجان كان السينمائي، من خلال اجتماعات مباشرة تتم في نفس الوقت بين المشاركين، بحثاً عن بدائل إبداعية لتسهيل المهمة وعمل الشبكات بين محترفي صناعة السينما من جميع أنحاء العالم. سيتوفر بالسوق أكشاك افتراضية لوكلاء المبيعات، ستتمكن شركات المبيعات من التواصل مع المشترين وعرض أفلامهم ومشاريعهم الجديدة التي هي قيد التنفيذ. سيكون هناك أجنحة افتراضية للمؤسسات، حيث ستُقدم المؤسسات من جميع أنحاء العالم ما لديها من التصوير السينمائي الوطني واللجان السينمائية ومواقع الأفلام، ودعم منتجيها وتنظيم الاجتماعات في مساحة افتراضية مثل التي اعتادوا القيام بها في جناحهم في القرية الدولية بمهرجان كان في شكله السابق على جائحة كوفيد - ١٩.

انتصار نتفليكس!

والآن نتساءل: هل يُعد هذا البيان انتصارا لشبكة نتفليكس ونظرائها؟ خصوصاً بعد أن تنمر عليها المهرجان الكاني قبل عامين، وأصر علي عدم إشراك أفلام من إنتاجها داخل التنافس؛ بحجة أن الأفلام تُصنع لتُعرض في دور العرض السينمائي، وليس من أجل العرض عبر الكابل، لكن الشبكة التي تنتصر للمستقبل رفضت يومها القرار غير المنصف، وسحبت جميع أفلامها من المهرجان العريق، لنفاجأ بعد أقل من ثلاثة أشهر بمجموعة من الأفلام البديعة من إنتاجها ضمن مهرجان فينيسيا الذي أثبت مديره الفني أنه أكثر انفتاحاً على التجديد والمستقبل من نظيره الكاني.

نعود للتساؤل: هل توابع جائحة كورونا ستقود الجميع إلى نتفليكس ونظرائها؟! هل سيتم القضاء - أو على الأقل ستتقلص دور العرض - خصوصاً لو وضعنا في الاعتبار ما افترضه بعض العلماء والأطباء أن كورونا المستجد لن ينتهي، وسيعاود الكرة مرة ثانية وثالثة وربما يُطور نفسه؟!

إذن، دعونا نتوقف بقراءة متأنية أمام تصريح جيروم بيلارد- الموجود بنص البيان الكاني - وهو المدير التنفيذي للسوق بمهرجان كان، وصاحب اقتراح فكرة السوق «أونلاين» بالتشاور مع المهنيين حول العالم:

يقول بيلارد: «أظهر استطلاع أجريناه الأسبوع الماضي بين الموزعين حول العالم أن 80٪ منهم مهتمون بالسوق عبر الإنترنت، بينما 66٪ لديهم القدرة على الشراء - بشكل أساسي شراء الأفلام المكتملة وكذلك أفلام في مرحلة ما بعد الإنتاج والكتابة».

السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هذه الجهات التي لديها القدرة الشرائية أين ستعرض الأفلام؟! أليس عبر الشبكات مثل نتفليكس؟ وهل الأفلام التي كان من المفترض أن تدخل ضمن التسابق والأقسام المختلفة بالمهرجان ليست ضمن هذه الشريحة المعروضة في السوق أونلاين؟ ألن يتم التفاوض بشأنها؟! إذن هذه الأفلام من المحتمل إن تم الاتفاق بشأنها في نهاية يونيو القادم محتمل جدا أن نشاهدها أونلاين في غضون شهور!

إلى أين يتجه المستقبل؟!

تساؤلاتي السابقة ليست إدانة لمهرجان كان إزاء موقفه الحالي، بالعكس، هذا الوضع أراه الطبيعي، وهذا ما كان يجب أن يتعامل به المهرجان قبل عامين، أن تتم محاكمة الفن بمقاييس فنية وليس بمقاييس هل يعرض الفيلم داخل دور العرض السينمائية أم من خلال الشبكات؟!

يبقى تساؤل: هل النسخة الافتراضية الـ«أونلاين» من السوق ستقضي على خصوصية السوق السينمائية بالمهرجان الكاني؟! الحقيقة رغم تأكيد بيلارد بأنه: «لن نستبدل تجربة كان بمسيرة Marché du Film Online ، ولكننا نعيد إنشاء جزء من جوهرها عبر الإنترنت من خلال تزويد المهنيين بمنصة فعّالة ومتطورة لعرض الأفلام وشرائها وتمويل المشاريع والالتقاء بالشركاء. كما نجرّب نموذجًا جديدًا للسوق يتيح للمهنيين الذين لا يملكون الوسائل أو الوقت للذهاب إلى كان كي يشاركوا».

رغم ذلك التصريح، لكني أراه استبدالا فعليا، وإن نجح بشكل قوي في نسخته التجريبية سيتعين على مهرجان كان - وكذلك برلين وفينيسيا- البحث عن سبل أخرى أكثر حداثة وجذباً تجعل من السوق، وكذلك إقامة المهرجان على أرض الواقع أكثر فعالية من الأونلاين، وإلا سنقول وداعاً للمهرجانات السينمائية بشكلها التقليدي الشائع قبل جائحة كوفيد - ١٩.

إعلان

إعلان

إعلان