لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الخوف والتوتر والانفعالات وتأثيرها على المناعة

د. عبدالهادي مصباح

الخوف والتوتر والانفعالات وتأثيرها على المناعة

د. عبدالهادي مصباح
11:05 م الخميس 26 مارس 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

جهاز المناعة هو جيش الدفاع الإلهي الذي خلقه المولى عز وجل من أجل الحفاظ على الإنسان والدفاع عنه؛ لأنه سبحانه وتعالى أراد له البقاء ليكون خليفته في الأرض، لذا فلا بد أن يمده بوسائل الحماية الكافية التي تكفل له البقاء إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، إلا إننا خلال العقود الثلاثة الأخيرة لاحظنا انتشار الأمراض المناعية المختلفة، وظهور الفيروسات الجديدة المميتة التي تهاجم الإنسان، وأمراض الحساسية، والأورام المختلفة، ولاحظنا انتشار أمراض المناعة الذاتية بأنواعها التي تصل إلى أكثر من 80 مرضاً، وكل هذا يعود إلى مشاكل تخص الجهاز المناعي. وسوف نتناول إن شاء الله العوامل التي تؤثر على المناعة وكيفية التعامل معها ولنبدأ اليوم بالتوتر والانفعال والحالة النفسية وتأثيرها على مناعة الإنسان.
والحقيقة التي توصل إليها العلماء من خلال أحدث الأبحاث العلمية تؤكد أن هناك اتصالاً مباشرًا بين المخ والجهاز العصبي المركزي، وجهاز المناعة الذي يعمل بأمر القيادة العليا الموجودة في المخ، وذلك من خلال خلايا مستقبلات، وهرمونات ومواد كيميائية، وموصلات عصبية ومناعية، فكل ما يؤثر بالسلب على الجهاز العصبي المركزي والحالة النفسية للإنسان، يؤثر أيضًا بالسلب على جهاز المناعة لديه، ويسبب الأنواع المختلفة من الأمراض بدءًا من تكرار حدوث العدوى بالفيروسات المختلفة مثل كورونا والإنفلونزا وغيرها، وحتى الإصابة بالأورام السرطانية وعدم اكتمال الشفاء منها، وكذلك أمراض الحساسية، وأمراض المناعة الذاتية وغيرها.
ويأتي تأثير التوتر والانفعال على المناعة من خلال التغيرات الآتية :
انكماش في غدة التيموس التي تنتج الخلايا التائية.
خلل في وظائف الخلايا الأكولة (ماكروفاج).
نقص الخلايا القاتلة الطبيعية NK cells المسؤولة عن مقاومة الفيروسات والخلايا السرطانية.
خلل في إنتاج الأجسام المضادة (قذائف المدفعية).
خلل في نمو الخلايا التائية المساعدة Thووظائفها، والتي تعد بمثابة المايسترو أو قيادة جيش الدفاع المناعي.
أما عن بعض مسببات التوتر والانفعال فهناك الكثير من المؤثرات التي تواجهنا كل يوم في حياتنا اليومية والتي تسبب توترنا وانفعالنا، وربما اكتئابنا وحزننا، ما يؤثر بالسلب على جهازنا المناعي، مثل: "الظروف التي نمر بها من خوف وعزلة ومرض ومفارقة الأحباب، التوتر بخصوص العمل، الحروب وعدم الاستقرار السياسي، الانشغال بالحاضر وأيضًا بالمستقبل، الزحام، الضوضاء، ضيق ذات اليد، عدم الإحساس بالأمان، الخلافات الزوجية، العزلة أو الوحدة، جحود الأبناء أو الآباء، مرض أحد الوالدين أو الأقارب خاصة في ظل وجود هذا الوباء العالمي، وأحياناً بسبب ما يحدث حولنا من موت وفقد للأشخاص والوظائف والمال؛ مما لا نستطيع أن نمنعه أو نتدخل فيه، ولكن يمكننا التدريب على كيفية التعامل معها".
وفي الوقت نفسه ينبغي أن ننتبه إلى أن الطاقات السلبية بداخلنا، والتي تنتج من: "الخوف والتوتر، عدم الرضا، الانفعال، الغضب، الحسد، والبعد عن منهج الله- صانع الصنعة وأقدر من يقنن لها"، ينتج عنها موجات وهالات تشعرنا والآخرين ممن حولنا بحالة من عدم الارتياح والتنافر والكراهية، التي تنعكس على صحتنا النفسية والجسدية، وعلى علاقاتنا بالآخرين.
ولعل أكثر من 90% من تفكيرنا السلبي يتركز في الأفكار والأحداث التي نخشى من حدوثها مثل: "فقد الأقارب، نقص الرزق، القلق على الأبناء، الصحة، المركز الأدبي أو المنصب أو الوظيفة، الخوف من المستقبل بشكل عام، أو من خلال نظرتنا وانشغالنا بما لدى الآخرين وليس بما لدينا، أو أحداث مفاجئة نتيجة إصابة أو حادث أو مرض لا شفاء منه، أحداث سلبية طويلة المدى، مشاكل وتعب مستمر في العمل وتحمل مسؤوليات فوق قدرة الشخص على الاحتمال، عوامل ضغط عصبي نتيجة تلوث سمعي أو بصري أو كيميائي أو بيولوجي، ثم البطالة وعدم وجود أمل في الحصول على عمل".
وتأثير إفراز الكورتيزول والأدرينالين الذي يفرز مع الانفعال والتوتر هو الذي يسبب: "زيادة استهلاك البروتينات والدهون، استنفاد مخزون الطاقة من مخازن الجسم المختلفة، تثبيط تكوين الأجسام المضادة وخلايا الالتئام والالتهاب، احتباس الصوديوم في الخلايا، تورم الأنسجة في الجسم، ارتفاع نسبة السكر، ارتفاع ضغط الدم، وضيق الشرايين".
ولكن ما هو رد فعل الجسم تجاه ما يحدث من انفعال وتوتر:
Physiological1- تغيرات فسيولوجية .
Cognitive2- تغيرات معرفية.
Emotional 3- تغيرات انفعالية .
Behavioral 4- تغيرات سلوكية.
وسوف نناقش بعض الوسائل العلمية التي يمكن التدريب عليها من أجل الوصول إلى هدف "التكيف الناضج مع الانفعال" مثل: "التأملMeditation ، كذلك الاسترجاع الحيوي (بيوفيدباك)Biofeedback ، اليوجا، الريكي وغيرها، وكيفية التعامل مع الطاقات السلبية التي تنتابنا".
ولنبدأ بالتأمل وهو أحد العلاجات التي وصفها لنا القرآن في العديد من المواضع، فحين يصف الحديث السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، نجد من بينهم: "رجلًا ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه بالدمع"، وهذا هو قمة التأمل، فالتعريف العلمي للتأمل يشمل عدة مراحل منها:
(1) الاسترخاء.
(2) التركيز.
(3) تحويل الانتباه إلى شيء محدد.
(4) إيقاف التفكير والانشغال بما عدا هذا الشيء، والكف عن التفكير المنطقي في أي شيء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل في هذه اللحظات.
(5) الاستغراق في هذه اللحظة زماناً ومكاناً، وملاحظة النفس والسيطرة عليها من أجل عدم الخروج عن هذا التركيز.
كل هذا يمكن أن يصل إليه الإنسان حين يركز تفكيره ووجدانه في ذات الله نور السماوات والأرض، الذي تنضبط موجات الطاقة بداخلنا بمجرد ذكره والتفكير فيه، ولعل من ضمن حالات التأمل أيضاً الصلاة، فنجد الحديث الذي يقول: "ركعتان في جوف الليل خير من الدنيا وما فيها"؛ لأنها تتوافر من خلالها كل ما يرتقي بالنفس على الجسد، فيتحكم المخ من خلال إرادة الإنسان في الجهاز العصبي اللا إرادي الذي يملك التحكم في نبض القلب، وعدد مرات التنفس، واسترخاء العضلات، وسلامة الأوعية الدموية، وضبط حرارة الجسم، والموجات الكهربية في المخ، ما يعيد ضبط الوظائف الفسيولوجية في الجسم من خلال ما يسمى بالارتباط أو Coherenceبين خلايا القلب والمخ والكون من حولنا، وتحسين قدرة الجهاز المناعي، والصلاة تعد فرصة للتدريب على ذلك بنفس صافية بدلاً من أن نمارسها لمجرد العادة، أو طقسًا من الطقوس الدينية شكلاً فقط.
ثم نأتي للقرآن الكريم وهو كتاب الله المسطور وتلاوته بواسطة الإنسان وهو خلق الله المنظور، فنجد الحديث الشريف يوضح أثر ذلك قائلاً: القلوب تصدأ مثل الحديد فعليكم بجلائها بالقرآن، وأيضاً قوله تعالى: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)". سورة الرعد
والتأمل يصفي النفس، ويزيد من صفاء الذهن، ويحسن من القدرة المعرفية والذهنية للإنسان المتأمل، ويساعد الإنسان على التحرر من قيد الجسد، كما يساعده على التخلص من الكثير من العادات السيئة التي يمكن أن يكون عبداً لها من خلال سيطرة الإنسان على أدواته وجهازه العصبي اللا إرادي، وهذا التأمل الإيماني هو الذي يعيد الجسد والنفس إلى سكينة الفطرة وسلامتها مرة أخرى، وسوف نكمل باقي الطرق للتعامل مع الانفعالات فيما بعد إن شاء الله.

إعلان

إعلان

إعلان