لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية وترسيخ هويته الثقافية

د. أمــل الجمل

مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية وترسيخ هويته الثقافية

د. أمل الجمل
09:00 م الأحد 15 مارس 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع


لا شك أن مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية قد رسخ لمكانته وهويته الثقافية باقتدار في دورته التاسعة، رغم الظروف الصعبة التي مر بها خصوصاً بعد وقف عروضه كإجراء احترازي حرصاً على سلامة الحضور، وتحجيما لفيروس كورونا في الأقصر المدينة الجميلة التي تحتوي على ثلث آثار العالم.
ترسيخ تلك الهوية الثقافية تحقق عبر تنوع برامجه، ليس فقط في الأقسام المختلفة للأفلام، ولكن عبر الندوات المهمة مع صناع السينما الأفريقية، وتعريفنا بهم عن قرب، بإتاحة فرص لقائهم وإجراء محاورات معهم، وإن بشكل عاجل أحياناً، بسبب كثرة وتداخل الندوات، وكأن المنظمين يُسابقون الزمن.
يُهمني في ذلك البُعد الثقافي تأليف وترجمة الكتب السينمائية والنقدية، فقد حرص المنظمون بمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية على تقديم الإصدارات السينمائية المصرية والأفريقية، والحقيقة التي لا غبار عليها أن المهرجان في إصداراته الأخيرة أصبح يهتم بالنوع لا الكم، ففي هذه الدورة على سبيل المثال اكتفي بإصدارين فقط، رغم أنه كان بإمكانه إصدار عدد كبير من الكتب عن المكرمين، والراحلين. ومن البديهي والمؤكد أنه كانت هناك اقتراحات من البعض أن يُقدموا كتباً عن شخصيات مكرمة هذا العام، لكن تم رفضها. فالواضح أن رئيس المهرجان السيناريست والمخرج المسرحي سيد فؤاد وشريكته في إدارة المهرجان الفنانة عزة الحسيني استفادا من تجاربهما السابقة، وأخذا- بتحدٍ وحسم كبير- يتأملان الاقتراحات، ويعملان على التطوير المستمر الذي يدفعهما للأمام بأقصى قدر متاح لديهما من الطاقة والإرادة رغم ضعف الإمكانيات المادية واللوجستية.

عن السمعة السيئة للكتب

لذلك أيضاً، ليس كل مَنْ يتقدم لتأليف كتاب يستحق أن يخرج كتابه إلى الوجود، أو أن يتم الموافقة عليه. حتى بعد الموافقة على أفكار الكتب والبحوث يجب أن تتم مراجعتها بعد الانتهاء منها، فإن وُجد محتواها ضعيفاً أو متوسط القيمة يتم رفضه، حتى يُصبح ذلك نموذجاً وعبرة للآخرين. إنها خطوة أراها مهمة للغاية، فسمعة تأليف الكتب وكتابة البحوث في السنوات الأخيرة قد شابها كثير من الأقاويل السيئة والساخرة. هناك ناس أصبحت متخصصة في القص واللصق، وإن بعبارة أدق في السرقة السريعة الجريئة بشكل فج. ما أسهل أن تذهب هذه الشخصيات إلى الأرشيف الصحفي بأي مؤسسة، خصوصا لو كانت علاقتها جيده بأفراده ومسئوليه، ما أسهل أن تنهش من كل المقالات أو الحوارات أجزاء عديدة وتضعها إلى جوار بعضها من دون تحليل أو تفسير أو تقديم رؤية جديدة، ثم بعد شهر تدعي مثل هذه الشخصيات أن لديها كتاباً، أو أن تُجمع عدة مقالات صحفية- تنتمي لنوعية الفاست فوود- وتقول إن لديها كتاباً. مثل هذه الكتب أعتبرها عارًا على مؤلفها، وعلى مَنْ يُصدرها.
أتذكر في مهرجان كان عام ٢٠١٦ في أحد العروض السينمائية ضمن أسبوع النقاد، جلس إلى جواري أحد المخرجين الأفارقة الذين يُقيمون في باريس. سألني. تعارفنا. من بين ما قلته أن لديّ سبعة كتب، فابتسم المخرج ابتسامة ذات معنى قائلاً: «كل النقاد والصحفيين في مصر يؤلفون الكتب». كلامه أصابني بغصة في الحلق. قلت لنفسي؛ العملة الرديئة هنا تتساوى مع العملة الجيدة، وربما تطردها أيضاً من السوق. ابتسمت له بأسف مؤكدة صحة كلامه.
آنذاك، قررت عدم الدفاع عن كتبي. قلت لنفسي الكتب تتحدث عن نفسها. لكن كيف لهذا المخرج بلسانه الفرنسي الأعجمي أن يقرأ العربية؟ تذكرت يوسف شاهين، وكيف أخرج السينما المصرية إلى العالمية. الترجمة والخروج للعالم أمر مهم للغاية. العالم لن يأتي إلينا. لن يبحث عنا. نحن المسئولون عن ذلك. نحن المُخوَّل لنا تحطيم الحواجز بيننا وبين العالم.

الترجمة للفرنسية والإنجليزية ضرورة ملحة

من هذا المنطلق أدعو مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية أن يواصل ما بدأه من قبل بترجمة كتاب عن السينما المصرية أو أحد صناعها في كل دورة من دوراته المقبلة، حتى يستطيع أن يطلع على تاريخنا السينمائي والنقدي الإخوة الأفارقة، وجميع الناطقين بالفرنسية من أي دولة تحضر فعاليات المهرجان. هذه خطوة بالغة الأهمية. فمثلما تُترجم أعمالهم، وأفلامهم، وكتبهم إلى العربية، علينا فعل نفس الشيء مع الإبداع المصري. وهذا أمر أتمنى أن يتحقق في كل المهرجانات المصرية الأخرى التي تهتم بالجانب الثقافي، عليهم أن يهتموا بالترجمة الإنجليزية أيضاً، وأعتقد أنه يمكن الاستفادة من التعاون القائم بين المهرجانات والهيئة العامة للكتاب في تسهيل هذا الأمر، خصوصاً في ظل قيادة الدكتور هيثم الحاج، رئيس الهيئة العامة للكتاب الذي يمتدحه عن صدق كل مَنْ عمل معه، فهو إنسان ومثقف كبير لا يدخر جهداً من أجل خدمة الثقافة والفن المصري بإخلاص ووفاء.
صحيح أن مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية كان سباقاً في ذلك، فقد ترجم كتاب «سمير فريد الناقد السينمائي.. النموذج والمثال» إلى الفرنسية في دورته السابعة. لكنه بحاجة إلى استعادة واستكمال ما بدأه، على الأخص، بعد أن أصبحت مطبوعاته السينمائية من أهم وأبرز الإصدارات في عالم المهرجانات بمصر. إنها أحد أهم الملامح الثقافية المُميزة للمهرجان، التي تمنحه مزيداً من الخصوصية إلى جانب هويته الأفريقية وكونه بوابة للعبور الهادئ الناعم من وإلى باقي دول القارة السمراء المفعمة بالحيوية والخصوبة وغنى موروثها الثقافي والحضاري والإنساني. تتزايد أهمية مطبوعات مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، خصوصاً أنه في دولة بحجم ومكانة مصر التي تمتلك أقدم صناعة سينما في الوطن العربي، بل كانت من أوليات دول العالم التي نشأت فيها صناعة السينما. مع ذلك لا تزال مصر تفتقد وجود أرشيف سينمائي، بالمقاييس العالمية، ما زال كثير من الفصول التي تُوثق لتاريخ الفن السابع بها مفقودة. هنا، لا شك، يأتي دور القائمين على مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية؛ إذ يُساهمون في ترميم أو بناء تلك الفصول التوثيقية المهمة في إعادة قراءة تاريخنا الفني، ووضعه في إطاره، ومكانته الصحيحة التي يستحقها.

إعلان

إعلان

إعلان