لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

التنويريون الجدد (1)

د. أحمد عمر

التنويريون الجدد (1)

د. أحمد عبدالعال عمر
07:00 م الأحد 08 نوفمبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

هل فشل في عالمنا العربي الخطاب والمشروع التنويري وفقاً للمفاهيم الغربية التي تتخذ موقفا سلبياً من الدين، ومن كل ما هو شأن روحي؟

وهل نحن بحاجة في بلادنا إلى خطاب ومشروع تنويري جديد يمكن أن نُطلق على أصحابه اسم "التنويريين الجدد "، وهم الذين يجمعون بين الرؤية الفلسفية والنظرة العقلانية والنقدية للعالم والتراث والواقع، إلى جانب احترام الثوابت الدينية، والجوانب الروحية؟

وكيف يمكننا نحن- المشتغلين- بالفكر والثقافة استهلاكاً وإنتاجاً أن نؤسس، ونُكرّس لحضور هذا الاتجاه التنويري الجديد، بعد تحديد دوافعه ومقوماته وغاياته؟

بداية، إن أهم دوافع تأسيس هذا الخطاب التنويري الجديد هو ما يبدو للجميع من فشل الخطاب والمشروع الحداثي والتنويري العربي في إحداث تغيير يُذكر في بنية الفكر والمجتمعات العربية، وهو الأمر الذي أكدت عليه الكثير من الكتابات التي تتناول محنة التنوير وأسباب فشل الخطاب التنويري العربي.

فنجد مثلاً أن الراحل الدكتور جلال أمين في كتابه "التنوير الزائف" ينقد فكرة التحديث من خلال تقليد الغرب، ويَعيب على رواد التنوير العرب تبنيَهم شعارات التنوير الغربي؛ فعادوا ما عاداه التنويريون الغربيون، واتخذوا موقفا سلبياً من الدين، واستهانوا به؛ حتى رأينا في العقدين الأخيرين من القرن العشرين في مصر كتابات تسير في هذا الطريق، وتتناول المقدسات بأقل قدر من الاحترام؛ بهدف ضمان احتفاء الإعلام والمؤسسات الغربية بها.

أما الدكتور "حسن حنفي" المفكر الكبير، أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة، فقد ذكر أن رواد النهضة الأوائل مثل رفاعة الطهطاوي والإمام محمد عبده وأديب إسحق وأحمد فارس الشدياق والدكتور عثمان أمين - لم ينقلوا كتابات فلاسفة التنوير الغربي من أجل الترويج لثقافة الآخر، بل أعادوا بناءه لصالحهم، وبرهنوا عليه من تراثهم الخاص.

ولكن أتبع هؤلاء جيل من التنويريين العرب الذين نقلوا فلاسفة التنوير الغربي بلا هدف واضح، وبلا إعادة بناء لتراثنا القديم، وكأن جذور نهضتنا العربية يمكن أن ترتد إلى اليونان. وكرد فعل على هذا "التنوير المغلوط" قام الواقع ممثلا في التيارات الدينية الأصولية برفض هذا الخطاب التنويري، وعاد إلى التراث القديم يحاول إحياءه - كما هو- بلا نقد أو تنوير.

أما المفكر المغربي الراحل الدكتور "محمد عابد الجابري"، فلم يخرج رأيه عن هذا السياق، وقد رأى أن قادة التنوير لدينا تبَنَّوْا مقولات فلاسفة التنوير الغربي في أوربا، وحاولوا زرعها في العالم العربي، مع أن التنوير يجب أن يتم من الداخل؛ لأن كل ما يأتي من الخارج لا معنى له إلا لمن يستطيع أن ينقل نفسه إلى داخل هذا الخارج.

وأضاف الدكتور محمد عابد الجابري أن التنوير يمكن أن يتم من الداخل؛ بإعادة بناء التراث القديم، وبإلقاء النور على الحقيقة ليراها الناس كما هي، وبفتح المجال لإعمال العقل، وإزالة السلطات التي تقيده.

وفي كتابه "فكر حركة الاستنارة" تساءل الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري عن مضمون التنوير والنهضة والتقدم؟ وهل الطريق إلى كل ذلك يقتصر على تقليد الغرب أم من الممكن أن يتحقق عبر الاستفادة من تجربة الغرب في تحديد ورسم النموذج الحضاري الخاص بنا؟

وقد لفت الدكتور عبد الوهاب المسيري الانتباه إلى أن رواد التنوير العرب ظل مفهومهم للتنوير يدور في فلك "النموذج الغربي" الذي يجعل العقل وحده المرجعية النهائية، ومصدر القيم، ومركز الكون، مع أن هذا النموذج الغربي يستبعد الدين ويقصره على مجرد علاقة شخصية بين الإنسان وربه، ولا يجعل له علاقة بمنظومات الإنسان المعرفية والأخلاقية والاجتماعية.

وتأسيساً على تلك الآراء القيمة لمفكرين عرب كبار، يمكن القول إن الخطاب التنويري العربي قد فشل، ومن أهم أسباب فشله عجز أصحابه عن التعامل الإيجابي مع التراث، فأحدثوا قطيعة كاملة معه، وكان الأجدر أن يعيدوا تجديد هذا التراث ليتناسب مع مقتضيات العصر.

ومن أسباب فشله، أيضاً، عدم احترام أصحابه ونخبه ثوابت ومقدسات الأمة، وسعيهم المستمر للتشكيك فيها والسخرية منها وتقويضها، فأثار عليهم غضب الجماهير، وأحدث هوة عميقة بينهم وبين الواقع الذي يعيشونه؛ ولهذا فقد أصبحت الحاجة ملحة لظهور اتجاه تنويري جديد، يتسم أصحابه بالواقعية واحترام الهوية والخصوصية في محاولتهم تحديث المجتمعات العربية.

وفي المقال القادم، أحدد أهم مقومات هذا الخطاب التنويري العربي الجديد، وأهم غاياته.

إعلان

إعلان

إعلان