لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الخروج من متاهة الحياة اليومية

د. أحمد عمر

الخروج من متاهة الحياة اليومية

د. أحمد عبدالعال عمر
07:00 م الأحد 01 نوفمبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

المبدعون وأهل الفن الأصلاء، والمشتغلون بالبحث العلمي والكتابة، لا يستغرقون في طوفان ومتاهة الحياة اليومية إلا بالمقدار الذي يمكنهم من قضاء حوائجهم الأساسية، وفهم العالم من حولهم. وهم مضطرون للنزول من ملكوت وحدتهم وعزلتهم والسير مع تيار الحياة استجابة لالتزاماتهم المهنية والاجتماعية، ولكن إن لم يسرعوا بالخروج منه، والعودة لملكوتهم الخاص، فسوف يحترقون بصخب الحياة اليومية، وبجحيم الآخرين، وطوفان تفاهتهم ومعاركهم الصفرية.

وهذا يعني إن الاستغراق الدائم في متاهة الحياة اليومية بخساراتها وإحباطاتها وضغوطها وأزماتها، والاستغراق في طوفان الأحداث الجارية وحضور الآخرين، لا ينتج عنه علم ولا إبداع أصيل، ولا يجعل الإنسان في أغلب الأحيان مطمئنًا وسعيدًا؛ ولهذا صار اختراع العزلة ضرورة من ضرورات الحياة، وحقا إنسانيا أصيلا يجب على الإنسان أن يمارسه من وقت لآخر، حتى لا يُهدر ويُبدد وجوده الشخصيَّ وصفاءه الذهنيَّ في صخب الحياة العامة، ومشكلات العمل، وطوفان وجود الآخرين.

والعزلة التي اتحدث عنها هنا، هي التي قالت عنها الشاعرة والروائية الهندية "تيشاناي دوشي" إنها "بحث عن الحميمية، وبحث عن أنفسنا".

أي أنها عزلة إيجابية، لا بد أن يصنعها الإنسان لنفسه، كشكل من أشكال الاستشفاء الذاتي من أعباء الحياة وعبث الأحداث الجارية وتفاهات البشر، وجعلها وسيلة لإراحة العقل والقلب والجسد، وفرصة لإعادة اكتشاف الذات، وترتيب الأهداف والأولويات، والاهتمام بما يبقى، ويجعل الإنسان سعيدًا وراضيًا عن حياته وخياراته فيها.

وهذه العزلة المنشودة، في النهاية، ليست اعتزالًا للحياة والناس؛ بل هي عزلة مؤقتة تمنح الإنسان فرصة للتواجد مع مَن يُحب من البشر، وفعل ما يُحب من الأشياء، ليعود بعدها لحياته المهنية والعامة وهو مُحصن من الداخل ضد معارك البشر الصفرية، وكل أشكال الهدر والاستنزاف في متاهة الحياة اليومية، وضد كل أمراض العلاقات الاجتماعية والمهنية التي تُبدد طمأنينة الإنسان الداخلية، وتُهدر عمره ومواهبه وإمكاناته، وتجعله تعيسًا وساخطًا على حياته وخياراته.

إعلان