لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

افتحوا النوافذ لمئات "صلاح"

لميس الحديدي

افتحوا النوافذ لمئات "صلاح"

لميس الحديدي
12:39 م الإثنين 17 يونيو 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

مو صلاح:

" هو إحنا ليه بنحبك قوي كده"؟ سألت نفسي وأنا أتابع فرحة المصريين به: تهنئته بعيد ميلاده، فرحتهم بالتحاقه بالمنتخب لخوض البطولة، سعادتهم بالهدف الذي أحرزه في نهائي بطولة أوروبا، والصورة التي تواترت من منزل ريفي جدرانه بالطوب الأحمر بإحدى القرى والشباب جالسين على الأرض عيونهم مثبتة على شاشة صغيرة يتابعونه يلعب. إنها ليست مجرد كرة قدم، إنه حلم قد لا يجرؤ أن يملكه كثيرون، تمكن ابن قرية نجريج الشاب من تحقيقه، وكأنه يحقق حلم شباب المصريين جميعا. فهل ذلك كل ما في الأمر؟ بالطبع لا.

"إحنا ليه بنحبك قوي كده"؟ ربما لأنك كسرت حالة الإحباط التي تنتابنا كثيراً من رتابة الحياة وعقباتها، فأصبحت مبارياتك هدفا نتطلع إليه، نتجمع حوله، نتفق أن نلتقي كي نشاهدك وندعمك رغم أنك لا ترانا. ربما لأنك بالنسبة لنا تجسد فكرة الإنجاز، النجاح الصعب: صورتك وأنت تحمل كأس أوروبا التي تبدو بعيدة كثيرا عن نجريج وحتى عن العاصمة القاهرة هي صورة تخصنا جميعا، قد تجدها في بيوتنا البسيطة، فهي صورة نجاحنا وليس فقط نجاحك. نجاحنا الذي نفتقده وأحيانا كثيرا نفقد الأمل أن نحققه. "بنحبك لأنك واحد منا عرفت تحقق اللي ما عرفناش نعمله".

لكن، هناك ما هو أبعد وأعمق، لقد عرفنا قيمة صلاح على مستويات عدة، فأقمنا له الاحتفالات والتكريمات وساعدنا في حملات قومية عديدة في مقدمتها الحملة ضد المخدرات، لكننا –وحتى اللحظة- لم ندرك الأهمية الحقيقية لالتفاف الناس حوله، لم نحاول أن نكتشف كيف يمكن أن يكون لدينا عشرات من صلاح -ولن أقول مئاتٍ أو ألوفًا– في مختلف المجالات. اكتفينا فقط بالإعجاب والتشجيع، ربما لأننا ندرك جيدا أننا لسنا طرفا أصيلا في هذا النجاح.

صلاح هو النموذج الواضح للمثل الذي تعلمناه في طفولتنا: "من جد وجد". صحيح إنه موهوب موهبة استثنائية، لكنه كان يمكن أن يتعثر ويحبط ويصبح مجرد لاعب كرة عادي أقصي طموحة أحد أندية الدوري الممتاز. اجتهد صلاح وقرر أن يكون في مكان آخر وفي مكانة أخرى، لكن قراره وحده وجهده وحده ما كانا سيوجدان له طريقا لولا انتقاله لمجتمعات تسمح بالنجاح، بل تدفع للنجاح، وأشخاص يدعمونه ويعلمونه "مثل كلوب مدربه في ليفربول" ولا يعوقونه، ونظام يفتح له الأبواب طالما استحق. فأمامك فرصة "عادله" للترقي إذا ما كنت مجتهدا وموهوبا، وطموحك يمكن أن يرتقي لحدود السماء، فقط عليك أن تعمل وبجد والتزام، فإذا أثبت كفاءة أنت من الكبار. ذلك هو المجتمع الغربي: مليء بالتحديات، مشحون بالفرص.

تلك هي "خلطة" صلاح: الشخص المجتهد الموهوب في مجتمع يحترم تلك الموهبة ويسمح بالترقي. وذاك هو الدرس الذي يجب أن نتعلمه من تجربة صلاح. ليس فقط صلاح الشخص المجتهد الخلوق الذي تمكن من الوصول واستطاع -بشخصه وموهبته وحب الناس- أن يخفف من حدة العنصرية ضد المسلمين في الغرب، ولكن أيضا المجتمع المحيط الذي يسمح لتلك الموهبة بالنمو، يفتح لها النوافذ كي تتنفس، ولا يئدها في مهدها.

لدينا في قرانا ومدننا مئات وآلاف من صلاح لا نعرف عنهم شيئا، وحتى لو عرفنا فمصيرهم محتوم: البحث عن لقمة العيش. أحلامهم تقتل من بداياتها، طموحاتهم تدهس بقوة الواقع، فيصبح أقصى طموح أي شاب أن يكون أسرة ويعيش بعيدا عن العوز! وطموح أي بنت أن تكون ربة منزل فلا تقع في فخ العنوسة المتزايدة هذه الأيام.

هل محاولة تغيير ذلك هو كلام افتراضي رومانسي؟ الحقيقة لا. نحن نستلهم التجارب الغربية في نواحي عديده: في الإصلاح الاقتصادي، في بناء المدن الجديدة، في التنمية العمرانية، فلماذا لا نستلهمها في إطلاق طاقات الشباب. فمن التعليم الأكاديمي والفني، إلى البنوك التي لا تزال تحتاج أن تضخ أموالا أكثر في المشروعات متناهية الصغر، إلى مراكز الشباب المنتشرة حول المحافظات ولا نعرف ما هو دورها، إلى قصور الثقافة المندثرة والتي كانت مراكز إبداع واكتشفت أهم الفنانين، إلى الأحزاب السياسية التي يجب أن تعود للحياة لتعبر عن تيارات الأفكار المختلفة، كل ذلك يمكن أن يفتح الآفاق، يكتشف لنا الكثيرئن من "صلاح" ويمهد لهم الطريق. التعامل مع الشباب ليس لغزا من الألغاز، تكرار "خلطة صلاح" ليس مستحيلا، نحن الذين قررنا أن ننظر إليه ونعتبره استثناء، رغم أنه يمكن يكون غير ذلك.

افتحوا لهم النوافذ.. دعوهم يتنفسون.. لا تضعوهم في قوالب.. كسروا إحباطهم وعلموهم أنهم يمكن أن يكونوا مثله وربما أفضل. فهم مستقبلنا ومستقبل هذا البلد. "فخلطة صلاح" ليست مستحيلة.

الحلم في عيونهم:

هكذا لمحته في عيونهم -ذلك الحلم الجامح- بينما كان ينادي الدكتور نبيل العربي –رئيس مجلس أمناء مؤسسة القلعة للمنح الدراسية- على أسمائهم، وقد فازوا بمنح دراسية لاستكمال تعليمهم في كبرى جامعات العالم. خمسة عشر شابا وفتاة فتحت لهم "القلعة" أبواب المستقبل بتمويل دراساتهم العليا بشرط العودة إلى مصر لخدمة بلادهم بما تعلموا. كثيرا ما تدور التساؤلات عن دور القطاع الخاص، وتجارب المشاركة المجتمعية، وما أظن أن هناك أفضل من التعليم فهو الذخيرة التي تمد الشباب بسلاح اقتحام المستقبل.

١٨٤ منحة دراسية قدمتها "مجموعة القلعة" لشباب مصريين تعلموا في ٦٩ جامعة دولية على مدار ١٣ سنة منذ بداية برنامج المنح الدراسية. لماذا اختارت "القلعة" التعليم؟ كان يمكن أن تختار أن تتبرع بتلك الملايين لبناء مستشفى أو إصلاح طريق أو صرف صحي لقرى فقيرة، وجميعها مشروعات مهمة يحتاجها المجتمع، فلماذا المنح الدراسية؟ الإجابة جاءت على لسان د. أحمد هيكل- مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة القلعة- متذكرًا والده الأستاذ محمد حسنين هيكل. قال أحمد هيكل: "ما زلت أدين بالفضل لوالدي الذي أنفق على تعليمي في الخارج عندما قررت أن أستكمل دراسة الماجستير، تحمل والدي الكثير من أجل تعليمي وإخوتي وكان التعليم مكلفا حينها، لكنه علمنا أيضا قيمة العلم وأهمية الاستثمار فيه". وكم كان الأستاذ فخورا باستثماره في أبنائه، فقد كنت دائما أنصت إليه يتحدث عن "على وأحمد وحسن" أعز ما يملك ليس فقط لأنهم أبناؤه، ولكن لأنه يسر لهم أفضل السبل لحياة أفضل -ربما بعيدا عن طريقه- لكنهم تمكنوا من شق طريقهم وبنجاح.

وسط احتفال الشباب بمنحهم الدراسية، ووسط التقاط الصور تقترب منى فتاة شابة لتسأل على استحياء: هل لديك نصيحة لي؟ "استمتعي بكل لحظة، السفر ليس دراسة فقط لكنه تجربة حياة، اندمجي في المجتمع ولا تخافي وتشبعي بثقافات جديدة وأطلقي لأحلامِك العنان، فالحلم ليس خطيئة وتحقيقه ليس مستحيلا "تلك كانت نصيحتي للشابة المقبلة على حياة جديدة.

اختارت "القلعة" أن تفتح النوافذ لخمسة عشر شابا وفتاة كل عام، أن تساعدهم ليس فقط على الحلم ولكن وهو الأهم على تحقيق الحلم. تلك هي بحق المسؤولية المجتمعية، فنحن شركاء في المجتمع وعلينا جميعا أن ندفعه للطريق الصحيح. العلم هو الطريق الصحيح.

إعلان