لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

سألوه: ممن تعلمت الأدب؟!

سليمان جودة

سألوه: ممن تعلمت الأدب؟!

سليمان جودة
09:00 م الأحد 12 مايو 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

وصل الضيق من سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في بلاده إلى حد جعل أكرم إمام أوغلو يقول علنًا إنه سيقود ثورة في تركيا من أجل الديمقراطية!

أما أكرم إمام أوغلو الذي أطلق هذه العبارة، هذا الأسبوع، فمرشح حزب الشعب الجمهوري الفائز في انتخابات البلدية التركية التي جرت هناك في الحادي والثلاثين من مارس الماضي، وخسر فيها أمامه مرشح حزب العدالة والتنمية، الذي يرأسه أردوغان!

كان التنافس الأشد في الانتخابات كلها على منصب عمدة إسطنبول، وكان حزب الشعب المعارض قد اختار أوغلو مرشحًا له على المنصب، وكان حزب العدالة والتنمية قد اختار بن علي يلدريم الذي كان رئيسًا للحكومة في وقت من الأوقات، ثم كان رئيسًا للبرلمان، قبل أن يطلب منه أردوغان الاستقالة من رئاسة البرلمان وخوض السباق أمام مرشح الحزب المنافس!

والظاهر أن الرئيس التركي كان يعرف أن مرشح حزب الشعب قوي وأنه قادر على الذهاب في السباق إلى آخره، وأن عينه على منصب العمدة، وأنه استعد لذلك جيدًا، ولذلك وقع اختياره على "بن علي يلدريم" ليكون هو المنافس القادر على حسم النتيجة لصالحه.

وقد امتلأت شوارع المدينة في الفترة السابقة على الانتخابات بلافتات الدعاية التي يظهر فيها يلدريم وإلى جواره رئيس البلاد!

ولكن تقدير أردوغان كان في غير محله تمامًا، لأن أوغلو حسم النتيجة منذ الجولة الأولى، وهو لم يحسمها من الجولة الأولى وفقط، بل أيضًا حسمها للمرة الثانية، عندما طعن حزب العدالة والتنمية في نتيجة الجولة الأولى، وتمسك بالطعن، فأعادت لجنة الانتخابات فرز الأصوات في بعض مناطق المدينة، وجاءت النتيجة لصالح أوغلو من جديد، وحين حدث هذا فقد الرئيس السيطرة على أعصابه كاملا، ولم يتصور خسارة مدينة بحجم إسطنبول، فراح يضغط على اللجنة، ويواصل الضغط، حتى قررت في النهاية إعادة الانتخابات في المدينة كلها، وحددت الثالث والعشرين من الشهر المقبل لإجراء انتخابات الإعادة!

والغالب أن النتيجة لن تتغير، حتى لو ذهب الحزبان إلى الانتخابات عشر مرات؛ لأن الشيء الذي لا يريد أردوغان أن يدركه، ويستوعبه أن إسطنبول اليوم ليست هي إسطنبول التي عاش عمدة على رأسها لعقدين من الزمان، فلقد تغير مزاجها الانتخابي، ولم تعد هي المدينة التي يصادر حزب الرئيس حقها في اختيار المرشح الذي تراه الأنسب لشغل موقع عمدتها!

وقد كانت سياسات الرئيس هي السبب، فحجم البطالة في ازدياد، والليرة التركية تنزف في كل صباح بلا توقف، ومعدلات التضخم في ارتفاع متواصل، وأنهار المن والسلوى التي وعد الناس بها هي مجرد وهم، والناس لا ترى منه غير وجهٍ ديكتاتوري يريد الهيمنة على كل شيء !

وبعد أن كان رئيس وزراء ناجحًا داخل نظام حكم برلماني، فكّر في تغيير دستور البلاد، ثم ذهب إلى تغييره بالفعل، وجعله نظام الحكم رئاسيًا متوحشًا، وألغى منصب رئيس الحكومة، ليكون هو رئيس الحكومة، ورئيس الجمهورية، ورئيس كل شيء!

ولا تعرف ماذا أصاب الرجل، ولكن ما نعرفه أن الذين عاصروا الشاعر الإيراني سعدي قد سألوه في وقت من الأوقات: من أين تعلمت الأدب؟! فقال: من رجل قليل الأدب؛ كلما فعل شيئًا تجنبته على الفور!

وهذا تقريبًا ما ينطبق على الرئيس التركي، هذه الأيام، فالحاكم الناجح في بلده، وفي سياساته، وفي قراراته، هو الذي يستطيع أن يتجنب كل شيء يفعله أردوغان!

إن مشكلته أنه يتصور نفسه سلطانًا عثمانيًا، ثم يتصرف على هذا الأساس، دون أن يلتفت إلى أن أيام أجداده السلاطين قد مضت، وانقضت.

إعلان