لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

حوكمة الأمن وتحديات الدورة الـ"55" لمؤتمر ميونيخ للأمن

د. غادة موسى

حوكمة الأمن وتحديات الدورة الـ"55" لمؤتمر ميونيخ للأمن

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

09:00 م السبت 16 فبراير 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

"من سيجمع أشلاء العالم المتبعثرة..؟ هكذا بدأ السفير فولفجانج إيشنجر، رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن ١٥- ١٧ فبراير ٢٠١٩، كلمته في إشارة إلى الفوضى الأمنية التي تسود العالم بشكل عام، وتخبط وارتباك السياسة الأمنية في الدول الغربية ودول حلف شمال الأطلنطي تحديداً، أو بعبارة أخرى النظام العالمي "الليبرالي".

ينتاب رؤساء ومسؤولي الدول الأوروبية قلقٌ من تصاعد التهديدات الأمنية في العالم، وانعكاساتها المتزايدة على دولهم. وهذا التهديد ليس مصدره الوحيد الجماعات الإرهابية والتطرف، ولكن أيضا الكيفية التي تتخذ بها القرارات السياسية التي تؤثر على تحقيق الأمن في العالم.

فمنذ قيام الرئيس "بوتين" باتخاذ قرارا في ٢٠١٤ بضم شرق جزيرة القرم في أوكرانيا إلى اندلاع الحرب في سوريا التي لقي فيها الآلاف من البشر حتفهم إلى تحدي الرئيس الأمريكي "ترامب" للنظام العالمي الذي كان قد استتب بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية، بعد الحرب العالمية الثانية.

فمن وجهة نظر سياسيي الدول الأوروبية وخبرائها الأمنيين يتعامل الرئيس الأمريكي "ترامب" مع القيم التي تشكل حجر زاوية النظام العالمي، كما يتعامل مع أزمة التجارة الدولية بينه وبين الصين؛ مستخدما نفس الاقترابات وذات الأدوات. بالإضافة إلى التطرف الذي يهدد الأمن في العالم من قبل أصحاب النزعات القومية والإسلام السياسي.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يتعداه إلى قضايا أمنية غير تقليدية كانتشار الأوبئة والتغيرات المناخية والتهديدات الإلكترونية (السيبرانية). وجميعها تشكل تهديدات كبيرة لحياة الإنسان.

وتعزي الدول الأوروبية التهديدات السابقة إلى تآكل نموذج نظام الحكم الديمقراطي في السنوات العشر الأخيرة. فقد أشار عدد من الخبراء إلى أن النجاح الاقتصادي للصين في تطوير ما يطلق عليه "رأسمالية سلطوية" والتي نجحت في انتشال قطاعات كبيرة من المواطنين الصينيين من الفقر (٦٠ ألف مواطن سنوياً وفق التقديرات الصينية)- مكّن هذا النموذج من الانتشار في عدد من دول العالم، وهو الأمر الذي يعترف به قادة وخبراء الدول الغربية، مثلما يعترفون بإخفاقات النظم الديمقراطية في القضاء على التهميش الاجتماعي أو تحقيق التنافس الاقتصادي العادل أو القضاء على الفساد.

وجميع هذه التحديات تطرح إشكالية كيف تُحكم، وتدار السياسات الأمنية في الدول الغربية ودول حلف شمال الأطلنطي، وما هي نظم الحوكمة الأمنية التي تنتهجها تلك الدول في سبيل خفض مستويات التهديدات الأمنية التقليدية وغير التقليدية.

يُقصد بحوكمة الأمن الوسائل التي تمكّن المنظمة أو الجهة من ضبط وتوجيه سياسات المنظمة تجاه القضايا الأمنية في محيطها الداخلي والخارجي بكفاءة وفعالية.

وتشمل تلك الوسائل تنسيق السياسات والأنشطة الأمنية وتمكين المعلومات المتعلقة بالقضايا الأمنية من الانسياب بسهولة عبر المنظمة. أخْذا في الاعتبار أن الأمن مسؤولية جميع أفراد المنظمة، لذلك يمكن أن يتم اتخاذ القرارات المتعلقة بالأمن على كل مستويات المنظمة.

وحتى تتحقق المحددات السابقة من الضبط والتوجيه وانسياب المعلومات الأمنية للجميع ليتم اتخاذ قرارات صائبة لا بد من قيام رئاسة المنظمة بوضع إطار لحوكمة الأمن يستند إلى تحديد نوعية المخاطر ومواقف عدم اليقين التي تكون المنظمة والعاملون بها على استعداد لتقبلها والتعامل معها والتي لا تتوافر استعدادات مواجهتها.

وهذا الاقتراب ينطبق على كل أنواع المؤسسات بما فيها المنظمات الأمنية الدولية والتحالفات العسكرية.

ويقتضي وضع إطار لحوكمة الأمن الإجابة عن عدد من التساؤلات التي يطرحها مؤتمر ميونيخ للأمن في دورته الخامسة والخمسين، وهي حجم المنظمة وتعقد هيكلها، والموارد المتوافرة لوضع إطار لحوكمة الأمن، ومهام المنظمة وطبيعة المخاطر المرتبطة بتلك المهام، والمتطلبات والتحديات خارج بيئة المنظمة، مثل التحديات القانونية والبيئية، والقرارات التي يجب اتخاذها وقدرات الأفراد التي ستتخذ تلك القرارات، بالإضافة إلى المعلومات اللازمة لاتخاذ قرارات عقلانية ومبنية على دراسة اختيارات متنوعة.

ويرى عدد من الخبراء المشاركين في مؤتمر ميونيخ للأمن أن المنظمات الأمنية وقادة دول العالم الغربي تحديداً لا يتوافر لديهم أطر واضحة لحوكمة الأمن واتخاذ قرارات أمنية صائبة.

فمقاربة القضايا الأمنية قد لا تلتفت إلى قضايا أمنية غير تقليدية، كالصحة والسلامة والتنافس الاقتصادي العادل والفجوات التكنولوجية بين الدول.

وإذا كان لمؤتمر ميونيخ الذي يمكن اعتباره "إطارا لحوكمة الأمن" في عالم شديد التحول- جذوره الأوروبية العابرة للأطلنطي- فإن أنشطته تعكس اهتمامه، بما يدور في كل أرجاء العالم.

فمن بين الأنشطة التي تعقد على هامش المؤتمر ما يتعلق بالتقارير المعنية بقضايا التسلح والسياسات الأمنية التقليدية والأمن السيبراني والأمن الإنساني، والتقرير الخاص بأمن الموارد والأمن الاقتصادي ومنتدى "ميونيخ الاستراتيجي".

وبالنظر إلى القضايا التي تناولتها أجندة المؤتمر في دورته الخامسة والخمسين نجد على رأسها الأمن في منطقة الساحل والصحراء، وضبط التسلح النووي وغيره من أنواع التسلح، والأمن في جنوب شرق أوروبا والتغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة. كما أنه من بين الجلسات المهمة دور الكونجرس الأمريكي في سياسات الأمن الدولي.

ويحظى الشرق الأوسط بعدد من الجلسات التي تتناول قضايا الأمن الإنساني والصراع في سوريا.

واللافت للنظر أنه في الجلسة الافتتاحية والجلسات الموازية في اليوم الأول للمؤتمر، فإن المتحدثين هم الفاعلون الرئيسيون في رسم سياسات العالم الأمنية من ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا واليابان والصين، بالإضافة إلى كندا والنرويج وبولندا (انعقد بها منذ أسبوع مؤتمر الأمن والسلام في أوروبا) وبلجيكا وإيطاليا.

فمن المثير للانتباه عدم وجود متحدث أو ممثل رسمي من دول العالم النامي أو الآخذ في النمو باستثناء الدكتور محمد العريان المستشار الاقتصادي لإحدى الشركات العالمية.

فإذا كانت دول العالم الغربي تبحث في كيفية جمع أشلاء العالم المتبعثرة، فكان من الأحرى أن تسأل أيضا نفسها، وتستمع من آخرين في مناطق أخرى من العالم عن المتسبب في الفوضى الأمنية في العالم؟ ومن المؤكد أنها ليست دول العالم النامي، ومن المؤكد أيضاً أن الأسباب لا تكمن في قضايا الأمن التقليدية.

إعلان