لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الرقابة تتخفي بذريعة "المشاكل التقنية" لمنع فيلم زانج ييمو في البرليناله

د. أمل الجمل

الرقابة تتخفي بذريعة "المشاكل التقنية" لمنع فيلم زانج ييمو في البرليناله

د. أمل الجمل
09:00 م الخميس 14 فبراير 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

"خلال اليومين الماضيين لم نتمكن من تأكيد مشاركة الفيلم في مهرجان برلين، وكنا ننتظر. الآن لدينا الخبر المؤكد أنه لن يكون في المنافسة". هكذا صرح - لصحيفة هوليوود ريبورتر - باقتضاب ممثل من مجموعة هوانشي ميديا، المنتجة لفيلم "ثانية واحدة" القادم بتوقيع المخرج الصيني الشهير زانج ييمو.

بينما كان الكثير من النقاد والصحفيين ينتظرون بترقب كبير عرض فيلم "ثانية واحدة" ويضعون عليه أملاً كبيراً -غداً الجمعة-بسبب الهالة السينمائية الكبيرة التي تُحيط باسم صانعه زانج ييمو البالغ من العمر ٦٨ عاماً والذي يُعد من أنجح مخرجي الأفلام الصينية، لكن فجأة تصل للجميع بالمسابقة رسالة عبر البريد الإلكتروني من منظمي البرليناله التاسعة والستين تفيد بإلغاء عرض فيلم "ثانية واحدة" لأسباب تقنية، ولاحقاً تم استبدال الفيلم بشريط سينمائي آخر لنفس المخرج من إنتاج عام ٢٠٠٢ بعنوان: "هيرو Hero"، وبذلك انخفض عدد أفلام مسابقة البرليناله إلى ١٦ فيلماً فقط بدلا من ١٧.
ذريعة "المشاكل الفنية"

كلمة "تقنية" رغم محاولة تفسيرها بأن أعمال ما بعد المونتاج للفيلم لم تنتهِ ولم ينجح صُناعه في إتمام إنجازها، لكن البعض استقبلها بتوجس وريبة للدراية بالأجواء الرقابية المخيمة على الصين حالياً، لذلك كان التواصل مع بعض مَنْ يتواجدون بمهرجان برلين السينمائي، الممتد من ٧-١٧ فبراير الحالي، من المساهمين في داوئر صناعة السينما الصينية الذين وفق تصريحات صحفية عديدة أرجعوا الأمر للرقابة على أرض بكين.

أيضاً التصريح السابق للشركة المنتجة يشي في باطنه بأنهم كانوا ينتظرون رداً من جهة ما، خصوصاً مع كلمة "وكنا ننتظر". لذلك لم يكن غريباً أن تظهر التكهنات على الفور بأنه تم سحب الفيلم لأسباب سياسية خصوصاً أن أحداث فيلم "ثانية واحدة" تدور خلال الثورة الثقافية الصينية في الفترة بين ١٩٦٦- ١٩٧٦ بعهد ماو تسي تونغ، والتي اعترف الحزب الشيوعي نفسه بأنها كانت كارثية، مع ذلك لا تزال موضوعًا حساسًا، ويعتبرها البعض الفترة المظلمة من تاريخ بلادهم الحديث، إذ راح ضحيتها مئات الألوف من المثقفين والمتعلمين، وشهدت البلاد خلالها العديد من عمليات التخريب والتدمير لعشرات المعالم الثقافية والدينية والتاريخية، كما تم حرق وتدمير عشرات الكتب المهمة، ويعتبر البعض من المؤرخين والمفكرين الصينين تلك الفترة صفحة من التاريخ ضد الإنسانية لما تركته من آثار سلبية فظيعة على الصين من الناحية الأخلاقية والثقافية والسياسية رغم المكانة الاقتصادية الكبيرة التي حققتها الصين دولياً.
المشاركة الصينية

تُعتبر الصين من أكثر الدول المشاركة في المهرجانات السينمائية الكبرى، وتبلغ مشاركتها هذا العام ثلاثة عشر فيلماً في الأقسام المختلفة من مهرجان برلين السينمائي التاسع والستين، كان من بينها فيلمان داخل المسابقة حيث يعرض صباح اليوم فيلم "طويل جداً يا ولدي" -لكنني لم أشاهده حتي لحظة كتابة المقال- بينما كنت قد شاهدت في قسم البانوراما فيلم "كلب يتوقف في القمر" وهو شريط سينمائي به أفكار جيدة عن الآثار السلبية المترتبة علي الأسرة والمجتمع عندما يُنكر المثليون حقيقة وضعهم ويحاولون بناء أسر تقليدية متخيلين أنهم يستطيعون التكيف مع الوضع وخلق صورة طبيعية لهم أمام المجتمع بينما يمارسون حياة أخرى في الخفاء، ما يجعلهم يدمرون أسرهم بشكل أو بآخر، وربما يسهمون في خلق أجيال مشوهة. لكن الفيلم يعيبه التطويل، والإيقاع التليفزيوني في بعض مشاهده، رغم السينمائية المميزة للبعض الآخر.

كذلك، يُعرض في قسم البانوراما "لعبة الشادو" أو "مسرحية الظل" أما في مسابقة الأفلام القصيرة فيعرض فيلم "سيبلاش"، وفي قسم المنتدى عرض فيلمان هما: "من الغد سوف أفعل"، "أيام التلاشي vanishing days" بينما في قسم "المنتدي الممتد" عرض فيلم "المهندس السجين"، وفي قسم "أجيال بلاس" يعرض فيلم "أول وداع"، وفي قسم "أجيال بلاس ١٤" يعرض فيلم "التقاطع".
منع آخر

لم يكن فيلم "ثانية واحدة" هو الشريط السينمائي الصيني الوحيد الممنوع رقابياً من العرض في البرليناله الـ٦٩ فقد سبق سحب فيلم "أيام أفضل Better days" من قسم "أجيال" عشية انطلاق مهرجان برلين التاسع والستين، والذي تدور أحداثه حول شاب غاضب، لكن ربما لأن منع الفيلم جاء مبكراً، ولأنه كان مشاركاً في قسم موازٍ هامشي لا ينتبه له الكثيرون، بينما الفيلم الثاني كان مشاركاً بالمسابقة الرسمية، إضافة إلى أن شهرة زانج ييمو هي الأقوى فجعلت مُريديه وعشاقه في الانتظار والترقب لفيلمه ما سلط الأضواء على المنع الذي جاء في منتصف أيام البرليناله.

إذًا يعد فيلم زانج ييمو هو الشريط السينمائي الصيني الثاني الذي يتعرض للمنع ويتم سحبه من برلين هذا العام. وإن كانت بعض المصادر الصينية قد صرحت لصحيفة فارايتي بأنه رغم التصريح بأن فيلم "أيام أفضل" لم يكتمل في الوقت المناسب ما يتعذر عليه المشاركة، لكن الحقيقة أن الفيلم قد تم سحبه لأسباب تتعلق بالرقابة.

أما فيلم "ثانية واحدة" للمخرج الذي قدم عشرات الأفلام منذ أواخر الثمانينيات، والذي نال الدب الذهبي من البرليناله عام ١٩٨٨، مثلما حصد الدب الفضي عام ٢٠٠٠، إضافة إلى جائزتي بافتا، وجوائز أخرى عديدة من مهرجانات دولية، فهو من أنجح المخرجين الذين يتناولون بأفلامهم البنية الاجتماعية المعقدة للصين وشريطه "ارفعوا اللمبات الحمراء" نموذجاً. مثلما تعامل ييمو بذكاء فني مراراً مع القضايا السياسية، أما آخر عمل قدمه قبيل "ثانية واحدة" فقد شارك به بمهرجان فينيسيا السينمائي سبتمبر الماضي ٢٠١٨ وكان بعنوان "ظل Shadow" والذي يُعتبر عملا تشكيليا بارعاً يستند فيه على الأبيض والأسود في سردية إبداعية لافتة.
السينما تجمع سجينًا هاربًا باليتيمة

أما شريطه الجديد الممنوع فأحداثه تتناول قصة سجين هارب لم يعبأ بآثار ذلك الهروب الذي يعني أنه في حالة الإمساك به مجدداً سينال عقوبة أشد قسوة، لكنه يواصل الهروب من أجل تحقيق شغف سينمائي، ومشاهدة شريط إخباري ساخر، فإذا به يلتقي بفتاة يتيمة ويجمعهما هذا الشريط، بينما في اللحظات الأخرى يبدوان كأنهما نقطتان صغيرتان في الأفق.

تجعلنا مشاهدة العمل التنويهي لفيلم "ثانية واحدة" نتوقع إعادة القبض على الفتى الهارب الذي يُقاوم رجال البوليس، بينما لا تزال الفتاة تلاحقه في الصحراء الشاسعة، حتى أننا نرى لقطة فوتوغرافية منشورة لهما وهما مُوثقان في قيد واحد، ما يعني أن الفتاة هي أيضاً قد تم القبض عليها، وأن مصير الاثنين هو مصير مشترك، فماذا كان يحتوي الشريط السينمائي الساخر الذي أغوى سجينا بالمجازفة بحياته؟! وإلى أي حد يصل التعذيب والاستجواب إن تم التحقيق فعلياً مع الضحيتين؟! ما الذي يحتويه فيلم زانج ييمو الجديد بحيث يُثير حفيظة الرقابة القابعة في برلين ويقض مضجعها؟!

إعلان