لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

حراك الثورات وما بعدها

أمينة خيري

حراك الثورات وما بعدها

أمينة خيري
07:58 م الإثنين 04 نوفمبر 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

وقت الحراك المصري في عام 2011 وما تبعه من أحداث وحوادث، لم أكن أستسيغ تعليقات الأصدقاء والمعارف من الدول العربية حول ما يجري لدينا، وتحديدًا تلك التعليقات التي تعارض توجهات شعبية لدينا، أو تُجَرِّح في اختيارات أخذناها بناء على معايشة ومعرفة بطبيعة مجتمعنا أو انكشافات واكتشافات نجمت عن الأزمات.

وبالتالي فإن الكلمات التالية ليست تدخلاً في الشأن اللبناني أو العراقي أو التونسي أو أي من الشؤون المتعلقة بحراك يجري في دولة عربية هنا أو هناك، بقدر ما هو تعليق عام على تركيباتنا العربية المجتمعية والفكرية والثقافية.

الثقافة العربية ملبدة بمكونات عدة يمكن اعتبارها فريدة ولا يفهمها سوانا. فالخلطة السحرية للدين والطائفة والمعتقد بتفاصيل الحياة اليومية بدءًا بالسياسة مرورًا بالاقتصاد وانتهاء باختيار مدرسة العيال ومكان السكن ووسيلة الترفيه خلطة فريدة قلما تجدها خارج المنطقة. وإذا أضفنا إلى ذلك آفة الإسلام السياسي – والتي لا يمكن فصلها كلية عن تغلغل المعتقد في الحياة اليومية- والذي ضرب الغالبية المطلقة من الدول العربية، فإن النتيجة تكون تشابكًا مفرطًا يصعب جدًا فصل مكوناته.

مكونات مجتمعاتنا العربية شديدة الشبه ببعضها البعض. صحيح أن فروق جودة التعليم، وتراوح مستوى الدخل، والخلفية التاريخية والحضارية، والعوامل الأنثروبولوجية تصنع فروقًا ما، لكن تظل أوجه الشبه كثيرة.

كثرة "المثقفين" و"المفكرين" وأصحاب الرؤى والأفكار والحلول لم تعد تجدي كثيرًا. مقياس فيسبوك يخبرنا أن الدول العربية فيها ملايين من "المثقفين".

في كل يوم تهل علينا ملايين التنظيرات والتحليلات في كل شأن من شؤون الحياة والآخرة. قيمة "المثقف" أو "المفكر" بمعناه القديم حيث يلتف حوله المريدون وتنضح كلماته المكتوبة والمقروءة بجبال من الفكر والتنوير والتوضيح والتحليل لم تعد موجودة على أرض الواقع. جانب منهم تقدم في العمر، وآخرون باغتهم الواقع بما لم يكن في الحسبان ولا حتى في المنام، وفريق ثالث مل انتظار تحسن لن يطرأ وتقدم لا يحدث، ورابع باع كلماته وقايض فكره بمصالح ومكتسبات. والقلة القليلة المتبقية تعافر من أجل البقاء على قيد التنوير في وسط هذا الكم المذهل من التنوير العنكبوتي مجهول النسب وتحفر في الصخر في محاولة لتوصيل صوت المنطق لمن لا منطق له.

منطق مشابه يهيمن على عالم السياسة، وتحديدًا الساسة غير المتمكنين من الحكم (بعد). جانب كبير من هؤلاء يعانون إما النرجسية أو قصر النظر أو النفس أو كلاهما أو السطحية أو الخيالية أو ما شابه. (راجع مسيرة وتصرفات الرموز والقيادات التي ظهرت في مصر قبل وأثناء وعقب حراك يناير2011 على سبيل المثال)؛ لذلك تظهر رموز، وتبزغ آمال، وتشطح أحلام، ثم تتبخر في هواء الواقع وكأنها لم تكن.

لم تكن أي من الدول العربية في حاجة إلى مزيد من المشكلات والمصاعب والعوائق لتضيف المزيد إلى حياة المواطن. لكن دغدغة المشاعر بأحلام الثورة القادرة على رفع مستوى المعيشة وبسط العدل ونشر الحق وفرض الخير، مع تهيئة الأرض من قبل حكام لا يحظون بنعمة القدرة على قراءة الواقع قراءة حقيقية واستقراء المستقبل القريب ولو عبر دقة على الكمبيوتر أو بحث على "جوجل"، مع طرح الرموز السياسية غير المتمكنة من الحكم لنفسها باعتبارها قادرة على تحويل الحلم إلى حقيقة أدت وتؤدي إلى ثورات وحراكات كتلك التي مررنا بها ونشهدها حولنا.

نفرح بلمة الشعب في الميادين، ونبتهج للأغاني الحماسية، ونرسم جرافيتي حاد على الجدران، ويرتفع أدريناليننا لدى رؤية المسيحي يحمي الميدان وقت صلاة المسلم، والشيعي يرقص الدبكة مع السني والدرزي والماروني، والتوك توك ينقل الجرحى، وأطفال الشوارع يغنون أغاني الثورة مع خريجي الجامعات إلى آخر المشاهد الثورية الرائعة.

لكن الروعة الحقيقية تتمثل في تحويل الأدرينالين إلى هرمون نمو يعمل بكفاءة، ويسمح للمطالبة بإسقاط النظام بالتحول إلى التطور لإقامة نظام أفضل، والتنديد بالطائفية إلى وضع أسس مستدامة لمجتمع بلا طائفية، والمطالبة بدولة مدنية لوضع دستور وتطوير تعليم لا يجذران لمزيد من الدولة الدينية، وهلم جرا.

السؤال الآن: لدينا كل المقومات والمكونات المطلوبة لإقامة الثورات، لكن هل لدينا المقومات المطلوبة لبناء مراحل ما بعد الثورات؟

ربما يكون ما سبق نظرة انهزامية أو تشاؤمية، لكنها على الأقل صريحة مباشرة لا مواربة أو نفاق فيها.

إعلان