لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

كشك لكل مواطن..!

د. جمال عبد الجواد

كشك لكل مواطن..!

د. جمال عبد الجواد
09:00 م الثلاثاء 19 نوفمبر 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تكاثرت الأكشاك كالفطر في شوارع القاهرة في الآونة الأخيرة. للأكشاك الجديدة تصميم مبتكر، ولا أنكر أن شكلها جميل. لكن الأكشاك الجديدة منصوبة على الأرصفة، وفي بعض الأماكن أقيم الكشك على كامل عرض الرصيف؛ فلم يعد صالحا لمشي الآدميين، وإن كانت الكلاب والقطط الضالة ما زال بإمكانها المشي عليه، وهو أكثر أمنا وسلامة لها من السير في عرض الشارع مع السيارات، كما يفعل الآدميون المتخلفون.

محافظة القاهرة لديها مبادرة من إياها اسمها "حق المواطن في رصيف". المبادرة عبارة عن لافتات مثبتة على الرصيف، لتبشر المواطن بالحق الجديد الذي فاز به، دون أن تفعل أي شيء آخر، فلا الرصيف تم تنظيفه أو توسيعه ولا تمت إزالة الإشغالات من عليه أو رصفه، فالشعار هو المهم، وقد فزنا به.

ثم بعد ذلك جاءت إدارة الأكشاك في المحافظة لتقيم الأكشاك الجديدة على "ذات نفس" الرصيف الذي بشرتنا المبادرة بحقنا فيه، ليتبين لنا أن هناك مبادرة أخرى في محافظة القاهرة اسمها حق المواطن في كشك، وأن اصحاب المبادرة "الأولانية" مخاصمين أصحاب المبادرة الثانية، وأن الناس في محافظة القاهرة "ما بيكلموش بعض"، وأن أحدهم قد يزرع شجرة في الصباح، ليزيلها الآخر في المساء لأنها تمثل إشغالا للطريق.

الأكشاك الجديدة بدأت كمبادرة من أجل توفير منافذ لتوزيع سلع مخفضة السعر، وكانت هذه بدورها تطويرا لمبادرة أخرى لبيع السلع المخفضة في عربات متنقلة. السلع المعروضة في الأكشاك جيدة، وأسعارها أرخص كثيرا مما هو سائد في الأسواق، فتولت نار الأسعار إلهاءنا عن أي شكوى أخرى، فلم نلاحظ احتلال الرصيف أو تعطيل المرور، فلا صوتَ يعلو فوق صوت الأسعار والتخفيضات.

بعد فترة، تنوعت أشكال الأكشاك، وظهرت بأشكال أخرى أصغر حجمًا، لكنها تحتل خارجها مساحة أكبر من الرصيف لفرش البضائع الكثيرة، وهي- بخلاف الجيل الأول من الأكشاك- لا تبيع سلعًا استهلاكية أو منتجاتٍ مخفضة، لكنها تبيع الشيبسي والسجائر واللبان "عادي يعني زي أي كشك آخر"، لكنها تشارك أكشاك الجيل الأول في احتلال الرصيف وتعطيل المرور؛ فلما كانت حاجتنا للجيل الجديد من الأكشاك أقل كثيرًا من حاجتنا للجيل السابق له، فإننا بدأنا نلاحظ الرصيف المغدور، والشارع المزحوم.

بعد ذلك ظهر الجيل الثالث من الأكشاك، وهو أيضا يحتل الرصيف، ولا يُترك لنا منه ولو "نص" متر نمشي عليه، ولكنه يختلف عن الجيلين السابقين؛ فهو يبيع المشروبات الساخنة، كالشاي والقهوة ذات الأسماء الخواجاتي: (الكابتشينو، والفرابتشينو، والكلشينكينو)، وهي مشروبات لذيذة تجذب الشباب من سائقي السيارات الكوري، فيتجمعون أمامها، معطلين المرور، فلا الماشون على أقدامهم مشوا على الرصيف، ولا سائقو السيارات تحركوا في الشارع بسهولة ويسر.

لا توجد بيني وبين الأكشاك الجديدة أية خصومة! على العكس فكل باب رزق جديد يتم فتحه يستحق الترحيب؛ لكن فتح باب الرزق يجب ألا يكون على حساب راحة المواطنين ونظام الشارع وانضباطه، وإلا تحولت الأكشاك التي تقام بمعرفة الحكومة والمحافظة إشغالًا عشوائيًا للطريق، على طريقة الباعة الجائلين الذين يقيمون نَصبَتهم في أي مكان يمر منه الناس، علهم يفوزون بزبون، ولو على حساب الأرصفة والحدائق وسيولة المرور، فهذا هو بالضبط ما يحدث مع الأكشاك الجديدة.

فهل يمكن تصميم الأكشاك؛ بحيث تحتل مساحة أقل من الرصيف؟

وهل يمكن اختيار أماكن إقامتها في شوارع وعلى أرصفة أكثر اتساعًا؟

وهل يمكن منعها من التوسع خارج المساحة المقررة لها، وفرض قواعد للنظافة والنظام حولها، فتتحول إلى بؤر للحياة والنظافة والجمال، وليس إلى بؤر للعشوائية والمخلفات...؟!

إعلان