لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

غطت رأسها أو كشفته.. أمر يخصها وحدها

غطت رأسها أو كشفته.. أمر يخصها وحدها

د. جمال عبد الجواد
09:00 م الجمعة 10 أغسطس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

عندما خلعت حلا شيحة حجابها انطبقت سماء السوشيال ميديا على أرضها، فكان العويل على صفحات الإسلاميين، والتهليل على صفحات خصومهم. الصحافة المطبوعة تلقفت الخيط من الفيسبوك، ووضعت خبر حجاب حلا شيحة على الصفحات الأكثر تميزا.

الفيسبوك الذي اخترعوه في بلاد الفرنجة ليكون أداة للتعبير عن الذات الفردية تحول في بلادنا إلى أداة لمنع التعبير عن الذات وقمع الاختيارات الفردية.

صحافتنا المطبوعة أصبحت تابعة للفيسبوك، تحدد أجندتها وفقا لاتجاهات الفيسبوك وأمثاله، فخسرنا الصحافة التقليدية بينما لم نكسب الفيسبوك.

اتفقنا جميعا إسلاميين وعلمانيين على اتخاذ الموقف نفسه: المرأة ليست حرة تختار لنفسها ما تحب من ملبس ومسلك، فهي مجبورة على إرضاء أهواء الآخرين وتحيزاتهم، وعلى اتباع ما يختارونه لها، فإن خالفت توقعاتنا فلن ترحمها ألسنتنا وأقلامنا وفيسبوكاتنا.

حتى بعض من يصرون على أن اختيار الملابس يقع في نطاق الحريات الشخصية فشلوا في هذا الاختبار، فلم يستطيعوا إخفاء فرحتهم مع خلع الحجاب. كذلك، فإن بعض الإسلاميين الذين قالوا كلاما يفهم منه أنهم قبلوا بفك الاشتباك بين الملابس والأخلاق والإيمان، حتى هؤلاء نجدهم قد فشلوا في اختبار الصدق عند أول منعطف خلعت فيه ممثلة مشهورة الحجاب؛ فيالنا من مجتمع تافه فعلا!

سنبقى مجتمعا تافها أولوياته مضطربة طالما واصلنا الانشغال بمن غطت رأسها ومن كشفته، دون اعتبار إلى ما داخل الرأس من أخلاق وقيم ومبادئ ومهارات وأفكار وعلم ومعرفة. إنه نفس المجتمع الذي لا يرتاح أفراده حتى يعرفوا ديانة هذا أو ذاك من الشخصيات الموجودة على مسرح الحياة العامة. اختر اسم أحد الشخصيات العامة الذي لا يدل اسمه بشكل صريح على ديانته، وابحث عن صاحب الاسم على شبكة الإنترنت، وستجد أن السؤال عن ديانته هو أحد الأسئلة دائمة التكرار.

يسري هذا على الوزراء ولاعبي الكرة والفنانين كما يسري على الصحفيين والمذيعين والراقصات، ولا أفهم لماذا قد يهتم الناس بديانة راقصة؟

يتفاوت الناس في درجات تدينهم، وهذا طبيعي وإنساني؛ فمنهم من يمثل الدين أهم شيء في حياته، ومنهم من لا يهتم بالدين مطلقا، وبينهما توجد كل درجات التدين. يتقلب الإنسان بين درجات مختلفة في التدين عبر رحلة حياته، ففي بعض الفترات يكون الفرد مدفوعا للتقرب إلى الله، وفي فترات أخرى لا يرد الدين إلى ذهنه إلا لماما، وسبحان مقلب القلوب. من منا لم يشعر أحيانا برغبة قوية في أن يكون قريبا من الله، بينما لا يفكر في هذا الأمر في أوقات أخرى؟ من منا لم يواظب على الصلاة بضعة أيام، لينشغل عنها في أوقات أخرى قبل أن يعود إليها ثانية. كم منا يحتفظون بطواقي بيضاء يضعونها على رؤوسهم عندما تسري في النفس موجة روحانية تقترب بهم من الله، فيذهبون إلى المساجد وقد زينت الطواقي رؤوسهم، وربما لبسوا الجلباب الأبيض الناصع أيضا. غير أن أغلبنا لا يضع الطاقية ويرتدي الجلباب الأبيض طوال الوقت، فالصلاة تظل مقبولة عندما نؤديها ونحن نرتدي الجينز أيضا.

بعض النساء يتعاملن مع الحجاب بنفس الطريقة، فلماذا نصر على مراقبتهم، والتعليق على اختياراتهم في كل مرة.

قد يكون الحجاب فريضة دينية أو لا يكون، هذا أمر يناقشه الفقهاء، ولكن المؤكد أنه أحد مظاهر التدين، وأن التدين ظاهرة إنسانية، وهو إحساس داخلي وعلاقة بين الإنسان والله خالق الكون. الإفراط في التدخل في هذه العلاقة يفسدها، ويحرم الإنسان الفرد حرية الاختيار وحرية التعبير عن اختياراته، وعندها لن نعرف من هو المتدين فعلا إذا كان هذا الأمر يهمنا.

التدخل في شؤون الآخرين، ومراقبة ما إذا كانوا متدينين، وما إذا كانوا يعبرون عن تدينهم بطريقة مقبولة لنا، ومضايقتهم ولو باللفظ، إذا خالفوا توقعاتنا، كل هذا قد يجعل الأفراد يترددون في إظهار مشاعرهم الحقيقية أي كانت هذه المشاعر، ولا أظن أنه سيكون سهلا على حلا شيحة أن تضع الحجاب ثانية، فيكفيها ما لاقته من سخافات. فلماذا لا نترك النساء في حالهن، يختارون ويقررن لأنفسهن دون وصاية.

إعلان