لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الأردن.. احتجاجات بلا إخوان

الأردن.. احتجاجات بلا إخوان

محمد جمعة
09:00 م الثلاثاء 05 يونيو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

موجة الاحتجاجات التي تشهدها الأردن الشقيق في هذه الآونة، تمثل في واقع الأمر حلقة أخرى من سلسلة الاحتجاجات على الأوضاع الاقتصادية التي تضرب المملكة منذ بداية العام الجاري، إلا أن عمق الحركة الاحتجاجية واتساع نطاقها هذه المرة هو أمر لافت بشكل خاص.

إنها تمثل قطاعًا حقيقيًا من المجتمع الأردني يرفع فيها المشاركون شعارات مناهضة للإجراءات الاقتصادية الجديدة التي كان من المزمع اتخاذها، بينما حمل المتظاهرون العلم الأردني، ولم يُرفَع أي شعار يخص حزبا أو تيارا بعينه، مثل الإخوان المسلمين.

صحيح أن الإخوان في الأردن هم من معارضي خطط صندوق النقد الدولي منذ التسعينيات. كما رفضوا سياسات التحول الهيكلي في الاقتصاد الأردني وخصخصة بعض الشركات والمؤسسات التابعة للدولة. وهذا ما دفع الإخوان والأحزاب السياسية اليسارية والقومية إلى معارضة تلك التحولات. وقد شاركوا من قبل كتنظيم وهيئات وأحزاب في احتجاجات مماثلة.. لكن هذه المرة الوضع مختلف بشكل كبير.. فعلى عكس العديد من موجات الاحتجاج السابقة، لا يلعب الإخوان أو حتى الأحزاب اليسارية دورا مهما في المظاهرات الحالية.

ويبدو أن الخسارة التي مُني بها الإسلاميون في الانتخابات البرلمانية والنقابية الأخيرة تعكس تحولا في مزاج الشارع الأردني، بعيدا عن تيارات الإسلام السياسي التي تمارس السياسة بشكل شرعي في الأردن منذ سنوات. ولذا ربما بات رجل الشارع المهموم بثقل الأوضاع الاقتصادية يعتبرها جزءا من النظام أو النخب الحاكمة التي تتسبب سياساتها في معاناته.

ولكن بالمقابل من المهم الإشارة إلى أن هذه الموجة من الاحتجاجات إذا استمرت لفترة أطول وبذات الزخم، فربما تكون بمثابة رافعة للإخوان المسلمين في الأردن، مرة أخرى؛ إذ ربما يستشعر الإخوان أهمية ركوب الموجة وتصدر المشهد الاحتجاجي في تعزيز نفوذهم وشرعيتهم في داخل البلاد.. وذلك كما حدث غير مرة في غير دولة في الإقليم. وكما حدث في الأردن أيضا قبل أشهر قليلة.. ففي يناير الماضي ضغطت كتلة التحالف الوطني للإصلاح الإخوانية في البرلمان الأردني، من أجل طرح الثقة بحكومة "الملقي" على خلفية الاحتجاجات التي خرجت ردا على تخفيض الدعم الحكومي للخبز. ولكنها فشلت في مسعاها، والسبب أن تركيبة البرلمان ليست في صالح الإخوان.

في الوقت الراهن، الأزمة الاقتصادية في الأردن شديدة التأثير، والديون الوطنية تكاد تماثل الناتج المحلي الإجمالي.. أما العاصمة "عمان" فتصنف كواحدة من أغلي المدن في المنطقة برمتها، على الرغم من حقيقة أن الأردن ليس دولة نفطية ثرية. وهذا يجعل الحياة اليومية لمعظم الأردنيين صراعا حقيقيا.. من هنا نفهم لماذا اتسع نطاق هذه الاحتجاجات مع عدم حزبيتها، وتركيزها على البعد الاقتصادي، بحيث يمكن القول إنها بمثابة "انتفاضة اقتصادية" مائة في المائة وليس شيئا آخر.

فبلغة الأرقام، تتألف الموازنة الأردنية التي تم إقرارها في 18 يناير الماضي من جزْأين. بلغت قيمة "الموازنة العامة" الأساسية للعام 2018، 9.02 مليارات دينار أردني (12.7 مليار دولار أميركي)، يتم تمويلها بواسطة إيرادات داخلية ومساعدات خارجية تبلغ قيمتها 8.50 مليارات دينار، أي هناك عجزٌ قدره 523 مليون دينار.

صحيح أن الأردن تلقي خلال العام 2017 تعويضات بقيمة 1.78 مليار دولار لاستضافته لاجئين سوريين على أراضيه، لكن بالمقابل التأثيرات الاقتصادية الخارجية على الأردن الناجمة عن عدم الاستقرار كبيرة بالفعل.. فالقطاع السياحي يتعافى ببطء شديد من الانهيار الذي شهده بعد العام 2011. والأردن خسر حوالي 7 مليون سائح بسبب "الربيع العربي".

وبالمثل لم تظهر أي مؤشرات علي تعافي حقيقي على صعيد التجارة مع سوريا والعراق التي شهدت أيضاً تدهوراً كبيرا. فقد تسبّب الانهيار الأمني خلال العام 2014 في تراجع بمعدّل الثلثَين تقريباً في الصادرات الأردنية إلى العراق، من مليارَي دولار في العام 2014 إلى 695 مليون دولار في العام 2017.

وبما أن دول الخليج العربي عمدت إلى خفض مساعداتها إلى الأردن بعد العام 2011، فلم يعد أمام "عمان" سوى زيادة الاعتماد، بصورة مضطردة، على المساعدات الخارجية الأمريكية. ومزيد من الارتهان لإملاءات صندوق النقد الدولي، والأخطر حاليا إجراء مزيد من التخفيضات في النفقات عن طريق اعتماد إجراءات تقشفية، على غرار الإجراءات التي أثارت موجة الاحتجاجات الحالية.

صحيح أن الملك عبدالله حاول تهدئة التوترات، من خلال إقالة حكومة "هاني الملقى" مع تجميد القرارات الاقتصادية الأكثر استفزازا للشارع الأردني، لكن كل هذا يدخل ضمن الاستراتيجيات قصيرة المدى، ولن يؤدي إلى كبح موجات قادمة من التضخم، ومن ثم موجات أخرى من الاحتجاجات. هنا فإن الرافعة الحقيقية للأردن تتمثل في عودة الدعم الخليجي إلى مستوياته السابقة، إضافة إلى تنفيذ خطة الدعم التي وعد بها وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيليرسون في فبراير الماضي بزيادة الدعم الأمريكي المقدم للأردن من مليار إلى 1.3 مليار دولار أمريكي. حيث يمثل هذا المبلغ 10% من إجمالي الموازنة السنوية للأردن. وهو ما سيؤدي لتحسن ملحوظ في الوضع الاقتصادي هناك، وعودة الهدوء والاستقرار مرة أخرى.

يبقى من المهم الإشارة إلى أن الفوضى في الأردن ليست خيارا إسرائيليا (في الوقت الراهن على الأقل).. صحيح لم تعد هناك مصلحة إسرائيلية في وجود سلطة فلسطينية قوية في الضفة الغربية، بل ربما أعدت "تل أبيب" نفسها لسيناريو انهيار السلطة، لكن بالمقابل الحسابات بالنسبة للأردن هي بالتأكيد مختلفة تمامًا .

إعلان

إعلان

إعلان