لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

يا أمة "أوڤر"

يا أمة "أوڤر"

د. جمال عبد الجواد
09:01 م الجمعة 22 يونيو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

الاندفاع وراء العاطفة سمة أصيلة في الشخصية المصرية، ومعه الإحساس بالدونية الذي هو أيضا سمة أصيلة في شخصيتنا الوطنية. المبالغة سمة أصيلة في الثقافة المصرية، ومعها التعلق بالأوهام والخرافة، وبسبب هذه الخصائص والسمات السلبية في الثقافة والشخصية الوطنية كان شعورنا بالصدمة قاسيا بعد خروجنا من الدور الأول في تصفيات كأس العالم.

يحتل فريقنا الوطني الترتيب الخامس والأربعين على المستوى العالمي، بما يعني أن فرصنا في تحقيق إنجاز كبير في المونديال لم تكن كبيرة أصلا، لولا الانجراف وراء العاطفة.
هزيمتنا من روسيا كانت سخيفة وثقيلة، خاصة أن ترتيب المنتخب الروسي – في المركز السبعين - يأتي وراء فريقنا الوطني بأكثر من عشرين مركزا.

لكن لا يجب أخذ مسألة الترتيب الدولي هذه بدون الحذر الواجب، فالفرق يتم تقييمها وترتيبها وفقا لنتائج المباريات التي تخوضها، والنتائج السيئة للمنتخب الروسي إنما جرت في مباريات خاضها في المنافسات الأوروبية، حيث توجد أفضل فرق العالم في اللعبة، فيما نتائج فريقنا القومي الجيدة والتي أهلته لمركزه الحالي في الترتيب العالمي، إنما جرت مع فرق أفريقية أغلبها متواضع المستوى.

شخصيتنا القومية لا تخلو من قدر من الشعور بالدونية، فالفقراء يشعرون بالدونية تجاه الأغنياء، وعموم الناس يشعرون بالدونية إزاء أصحاب السلطة، ونحن كجماعة وطنية نشعر بالدونية تجاه الأجانب؛ وبلاد بره هي في ثقافتنا أفضل من بلاد جوه؛ والمحظوظ هو من جاءته الفرصة ليعيش هناك؛ وإذا أردنا أن نلخص جمال طفل رزقنا به قلنا عليه "شكله أجنبي"، لأننا لا نرى الجمال في السحنة المحلية. نغني كثيرا لبلدنا، ونمارس التعالي أحيانا على الأفارقة وبعض الأشقاء العرب، لكننا نلزم الحدود عندما يكون الأجنبي أبيض اللون ذا شعر ناعم وعيون ملونة.

أظن، والله أعلم، أن في أعماق بعض لاعبينا عقدة الدونية هذه، وأنه يستكثر على نفسه وبلده الفوز على فريق جاء من بلاد الشعوب البيضاء والعيون الملونة. قد ننتصر على الخواجات أحيانا، وقد فعلناها بالفعل، لكن هذه كانت مرات نادرة حالفنا التوفيق فيها، ولكن ما هو التوفيق، هل هو نفسه الحظ لكن بتسمية أكثر وقارًا؟ إذا كان الأمر كذلك، فالنصر أو الهزيمة هو في النهاية هو مسألة حظ ودعاء نرفعه إلى السماء؛ وهذا هو الجزء السحري في ثقافتنا الوطنية. لقد انهار فريقنا الوطني بعد هدف روسيا الأول في مرمانا بعد أن تأكد اللاعبون أن الحظ ليس معهم والتوفيق ليس في جانبهم.
لقد تم تدريب لاعبينا للصمود في المباراة حتى يلعب الحظ لعبته، أو يحين موعد التوفيق. لكن نفسية لاعبينا وثقافتهم غير مستعدة لمواصلة الصمود حتى بعد أن يتخلى الحظ عنا، ويدخل مرمانا هدف روسيا الأول، فعندها يحدث الانهيار.
لا أتذكر آخر مرة فاز فيها فريقنا القومي بمباراة بعد أن كان متأخرا ولو بهدف واحد، فنفسية لاعبينا غير مهيأة للتعامل مع موقف يتأخر فيه الحظ ويعاندنا التوفيق.
وأخيرا آتي إلى المبالغة. نحن نبالغ في كل شيء، فنحن الأعظم والأروع عندما نحقق إنجازا متواضعا؛ ونحن الأسوأ الذين لن تقوم لهم قائمة إذا تعثرنا ولو في مباراة كرة قدم. إذا صدرنا بضائع بملايين قليلة لدولة فقيرة في أفريقيا، فقد غزت صادراتنا أسواق القارة السمراء، وإذا فرضت دولة خليجية حظرًا مؤقتًا على استيراد محصول زراعي واحد من صادراتنا لأسباب صحية أو فنية فالخراب ينتظر اقتصادنا.
إذا قامت فرقة فنية من فرقنا بزيارة لبلد أفريقي، فقد انفجرت طاقات قوة مصر الناعمة، وإذا زار مسئول إسرائيلي متواضع المستوى دولة أفريقية عادية فالصهاينة يدبرون لنا مؤامرة وخازوقًا مدهونًا بالغراء.
تجربتنا في الإصلاح الاقتصادي يتعلم منها العالم، لكن ارتفاع الأسعار الذي يأتي مع الإصلاح أعجز الناس وأوصلهم إلى حد "ثورة الجياع".
مطلوب نهدا شوية لو سمحتم، ومطلوب من إعلامنا يداوي ثقافتنا من أمراض المبالغة والدونية والعاطفية والخرافة، لا أن يكون سببًا في تعميق المشكلة، كما هو الحال الآن.

إعلان

إعلان

إعلان