لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

تحليل ونقد خطة البنك الدولي لإصلاح التعليم في مصر(2018-2023)

تحليل ونقد خطة البنك الدولي لإصلاح التعليم في مصر(2018-2023)

د. عبد الخالق فاروق
09:01 م الخميس 21 يونيو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

مر النظام التعليمي في مصر بمراحل متعددة منذ مطلع القرن التاسع عشر حتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، شهد خلالها فترات من الصعود والازدهار، وفترات أخرى من الانكسار والضياع، وكان التعليم وسياساته ضحية التيه السياسي والاقتصادي الذي تعرض له المجتمع المصري كله، ونظامه السياسي.

وقد عرضنا في دراساتنا المتعددة المراحل التي مر بها هذا النظام التعليمي، خصوصا في كتابنا المعنون "كم ينفق المصريون على التعليم"، الصادر عام 2008، وكذلك كتابنا "كيف نكتشف مواهب أطفالنا في نظامنا التعليمي "الصادر عام 2010، والذي شرفني بتقديمهما أستاذ وشيخ التربويين المصريين والعرب المرحوم الدكتور حامد عمار، فكانت كلماته تطويقا لعنقي ودرسا لكل من يهتم بحق بقضايا التعليم واقتصادياته، ومنظوماته الإدارية والمالية على كافة المستويات.

والحقيقة أن النظام التعليمي المصري قد تحول في العقود الخمسة الأخيرة، وتحديدا منذ عام 1974، إلى حقل تجارب مؤلم وحزين، مصحوبا بأفكار وزير بعد وزير، ومسئول وراء مسئول، وجماعات مصالح هيمنت على أطرافه، فشدته من هنا أو من هناك، فكان الطالب المصري هو الضحية الأولى، وكانت الأسرة المصرية هى الضحية الثانية، ثم أصبح المجتمع المصري كله هو الضحية الأكبر في هذه التجارب الحزينة.

وها نحن الآن في شهر أبريل من عام 2018، نشهد فترة جديدة، وتجربة جديدة من تجارب ما يسمي "إصلاح المنظومة التعليمية في مصر"، بطلها هذه المرة البنك الدولي للتعمير والتنمية، وهو إحدى مؤسسات التمويل الدولية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية، ووزير التربية والتعليم الجديد الدكتور طارق شوقي، الذي لم يخف منذ اللحظة الأولي الذي ظهر فيها علي الساحة المصرية كرئيس لما يسمي المجلس الاستشاري لرئيس الجمهورية في عام 2014، اتجاهاته ومعاداته لمبدأ مجانية التعليم، الذي حمله كل مساوئ النظام التعليمي المصري وما وصل إليه من تدهور وانهيار.

علي أية حال فبعد أقل من عام واحد بعد تولي الوزير طارق شوقي مسئوليته كوزير للتربية والتعليم، أقدم الرجل علي الاتفاق مع البنك الدولي علي تقديم قرض لمصر مقداره 500 مليون دولار، مصحوبا بخطة جديدة لما أطلق عليه "إصلاح منظومة التعليم في مصر"، على أن يبدأ تطبيق هذه الخطة مع العام الدراسي الجديد في سبتمبر من عام 2018، ودون إدارة حوار مجتمعي جاد حول هذه الخطة وما قد تحمله من مخاطر وأضرار على مستقبل التعليم والطلاب في البلاد.

وما تأكد من حقائق هو أن خطة البنك الدولي هذه كانت قد استغرق إعدادها ودراستها بصورة مستفيضة مع الدكتور طارق شوقي أثناء رئاسته للمجلس الاستشاري لرئيس الجمهورية لمدة عامين سابقين.

عموما فقد تضمنت خطة البنك الدولي "لإصلاح" التعليم قبل الجامعي في مصر، عدة مكونات أساسية وفرعية، ومخططًا للتمويل المالي وغيرها من العناصر والأنشطة، وتسهيلا للعرض والتحليل فسوف نتناول هذه الخطة من جوانبها التالية:

أولا: عرض للمكون المالي والمدى الزمني لتطبيق الخطة.

ثانيا: مكونات مشروع "الإصلاح" التعليمي.

ثالثا: النتائج الرئيسية والأهداف الإنمائية المطلوبة من هذه الخطة.

رابعا: الإجراءات وعمليات التنفيذ.

خامسا: نقد وتحليل هذه الخطة وتأثيرها على مستقبل المنظومة التعليمية في مصر.

سادسا: كيف نعيد بناء المنظومة التعليمية والتربوية في مصر.. رؤية بديلة.

فلنتأمل كل واحدة من هذه العناصر.

أولا: المكون المالي والمدى الزمني للخطة

1- يقدر برنامج إصلاح التعليم في مصر بحوالي ثلاثة عشر عامًا تبدأ من عام 2018 وتنتهي بعام 2030.

2- بيد أن برنامج التعاون مع البنك الدولي والتمويل المتاح منه يستغرق خمس سنوات فقط هي الفترة من عام 2018 حتي عام 2023.

3- التكلفة الكلية لتطبيق الخطة وفقا لمنظور البنك الدولي تقدر بحوالي 35.23 مليار جنيه مصري (ما يعادل 2.0 مليار دولار بسعر الصرف السائد وقت التوقيع = 17.65 جنيه للدولار الأمريكي).

4- التمويل المقدم من البنك الدولي لا يزيد علي 500 مليون دولار (بما يعادل 8.8 مليار جنيه مصري) ويمثل 25% فقط من التكلفة الكلية للخطة، علي أن تتولي الحكومة المصرية تدبير 75% الأخرى، والمقدرة بحوالي 26.6 مليار جنيه مصري.

5- ويتوزع تمويل البنك الدولي على خمس سنوات تبدأ من عام 2018 حتي العام 2023 علي النحو التالي:

- السنة الأولى 100 مليون دولار.

- السنة الثانية 100 مليون دولار.

- السنة الثالثة 120 مليون دولار.

- السنة الرابعة 160 مليون دولار.

- السنة الخامسة 20 مليون دولار.

6- يشرف على إدارة الخطة من جانب البنك الدولي 28 موظفا و"خبيرا"، فإذا كان متوسط الأجر الشهري لكل منهم 10 آلاف إلي 15 ألف دولار، فإن التكلفة لهؤلاء خلال فترة الخطة لخمس سنوات تتراوح بين 16.8 إلي 25.2 مليون دولار، أي ما يعادل 296.5 مليون جنيه إلي 444.8 مليون جنيه مصري.

7- أما بقية التكاليف التي سوف تتكفل بها الحكومة المصرية والمقدرة بحوالي 26.6 مليار جنيه، فقد أدرجت في جداول بمتوسط سنوي 5.3 مليار جنيه.

ثانيا: مكونات خطة البنك الدولي "لإصلاح" منظومة التعليم في مصر 2018-2023

تتكون الخطة من خمسة مكونات رئيسية يتفرع عنها 15 مكونًا فرعيًا، و43 مخرجًا إضافيًا، وهذه المكونات الخمسة هى:

1- تطوير التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة (رياض الأطفال) ويخصص لها 100 مليون دولار من القرض على مدي الخمس سنوات.

2- الارتقاء بفاعلية المعلمين والمديرين التربويين (تدريب) ويخصص له 100 مليون دولار من القرض على مدي الخمس سنوات.

3- إصلاح نظام التقييم الشامل من أجل تحسين التحصيل العلمي للطلاب، ويخصص له 120 مليون دولار من القرض على مدى الخمس سنوات.

4- تعزيز مستويات تقديم الخدمات من خلال أنظمة الربط الشبكي (تكنولوجيا)، ويخصص له 160 مليون دولار من القرض على مدى الخمس سنوات.

5- تدعيم تقديم الخدمات من خلال مبادرات على مستوى المنظومة التعليمية مثل الاتصال والرقابة والتقييم، ويخصص له 20 مليون دولار من القرض على مدى الخمس سنوات.

6- هذا بخلاف المبالغ التي سوف تتكفل بها الحكومة المصرية في موازناتها السنوية لتنفيذ هذه الخطة.

ثالثا: النتائج الرئيسية والأهداف الإنمائية المطلوبة من هذه الخطة هى:

يتمثل الهدف النهائي لهذه الخطة في تحقيق التالي:

1-زيادة نسبة رياض الأطفال التي تفي بمعايير الجودة الأعلى وفقاً لنظام ضمان الجودة من 31% خاليا إلي 95%.

2-زيادة نسبة المعلمين الذين أبدوا ممارسات تدريس محسنة (مصنفة حسب النوع).

3- الدفعة الأولى من خريجي التعليم الثانوي بالنظام الجديد لتقييم الطلاب طوال 3 سنوات على أساس حساب المتوسط التراكمي للطلاب (GPA)

رابعا: الإجراءات وعمليات التنفيذ

تحفل خطة البنك الدولي – كما هى العادة – بالكثير من التفاصيل والإجراءات التنفيذية والإدارية، المصحوبة بالجداول، مثل تعزيز نظام ضمان الجودة في رياض الأطفال، وتوسيع نطاق السلوك الخاص بالمعلمين، وإعادة هيكلة المركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي، وإعادة هيكلة وزارة التربية والتعليم والقطاعات الإدارية والوزارية المرتبطة بالعملية التعليمية، وغيرها من الإجراءات، وهو ما كان محل انتقاد لبعض الخبراء والعاملين في الحقل التعليمي.

وبحكم خبرتنا السابقة في الترجمة والتعامل مع أوراق وخطط البنك الدولي، منذ مطلع التسعينيات، وبداية ما سمي بإعادة هيكلة الاقتصاد المصري Readjustment&Restructure، وكذلك في برنامج إصلاح القطاع الصحي، فيما سمي ببرنامج استعادة التكاليفCost Recovery، الذي ترتب عليه البدء في خطة خصخصة التأمين الصحي في عام 2006، وإثارة جدل واسع النطاق في المجتمع المصري، فإن الخطة الجديدة للبنك الدولي لإصلاح التعليم في مصر، تستصحب الكثير من المشاكل، بأكثر مما يقدم من حلول كما سوف نعرض في المقال القادم بإذن الله

إعلان