لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

تعدد المعارك واختيار المعركة التي تستحق!

تعدد المعارك واختيار المعركة التي تستحق!

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

09:01 م الإثنين 10 ديسمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

عادة ما تكون النصيحة التي يقدمها أي مستشار لصانع القرار هو عدم خوض أكثر من معركة في نفس الوقت، تجنبًا لتشتت الجهد الحربي على أكثر من جبهة. ويعلمنا التاريخ أن المشكلة الحقيقية ليست في تعدد الجبهات، خاصة أنه في أحيان معينة لا تتوافر رفاهية الاختيار بالنسبة لبعض صناع القرار، سواء كان الأمر يتعلق بشأن داخلي أو خارجي، ولكن تتعلق المشكلة في اختيار المعركة التي تستحق أن يتم خوضها، والتي من الممكن تحقيق مكاسب محددة فيها.

وطوال السنوات الماضية تخوض بعض الدول حولنا حروبًا على جبهات متعددة في نفس الوقت، وفي أحيان كثيرة تكون تلك المعارك من فئة المعارك التي تهدر الموارد، ولا يتم تحقيق أي مكاسب من ورائها، بل على العكس يترتب عليها خسائر مادية ومعنوية.

وهذا الوضع يخلق مشكلة للدول الصديقة، حيث تكون في حيرة متعلقة بكيفية التصرف: هل تؤيد تلك الدولة في المعارك المتعددة التي تخوضها، أم تختار المعركة التي تراها تستحق من وجهة نظرها، أم تتجنب التعليق على أي من تلك المعارك وتلزم الصمت؟

وفي كل من هذه الخيارات هناك حسابات التكلفة والعائد، ولا سيما أنه في الممارسة العملية للسياسة الخارجية تكون التكلفة المعنوية هي الأصعب في التحمل، خاصة إذا صاحبها تكلفة مادية، وبالتالي يكون الخيار الأكثر حكمة هو الذي لا يصاحبه خسائر يصعب تحملها.

وقد يكون الكلام النظري أسهل من الممارسة العملية، خاصة أنه في أحيان معينة تضطر الدولة لتبني موقف في معركة ما تخوضها دولة صديقة لها، رغم أن تلك المعركة لا ناقة لها فيها ولا جمل، وبالتالي يكون موقفها من باب المجاملة الدبلوماسية.

ولكن حتى في هذه الحالات يعملنا التاريخ أن المسألة تحتاج لحكمة في انتقاء أسلوب التأييد الدبلوماسي ومستواه وأدواته، خاصة أنه ليس هناك ما يضمن أن هذه المجاملة الدبلوماسية سيقابلها مجاملة مماثلة من نفس الدولة في ظرف آخر.

وقد يتصور البعض أن هذه المناقشات إذا كانت تتعلق بشأن السياسة الخارجية، فلن تؤثر على الوضع الداخلي في الدولة، ولكن هذا افتراض ليس في محله، حيث تكون الشعوب عامة مهتمة بمستويات مختلفة بتحركات ومواقف قادتها الخارجية، وتكون تلك التحركات والمواقف محل نقاش، ويختلف مستوى النقاش بحسب الموقف والقضية.

وبالتالي عند بحث الخيارات الأكثر ملاءمة في التعامل مع دولة صديقة تخوض معارك في جبهات متعددة، فإن اختيار البديل الذي لا يصاحبه خسائر يصعب تحملها يتضمن الخسائر التي يمكن أن تتعرض لها شرعية النظام الحاكم في الداخل أيضًا، ولا سيما في الحالات التي يتم فيها اللجوء للمجاملة الدبلوماسية لدولة ما، على نحو قد تترتب عليه خسائر محددة.

إعلان