لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

 دروس خاشقجي المستفادة

أمينة خيري

دروس خاشقجي المستفادة

أمينة خيري
09:00 م الإثنين 12 نوفمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

سيظل مقتل الكاتب الصحفي المتحول معارضًا، بعدما كان مؤيدًا درسًا يُدرس في اللعب والتلاعب والملاعبة والألاعيب والملاعيب وكل ما من شأنه أن يُشتق من كلمة "لعبة"، لكنها لعب سياسية، وتلاعبات إقليمية، وملاعبات توازنية، وألاعيب أردوغانية، وملاعيب أمريكية، ناهيك من التغاضي عن اللعبة هنا والاكتفاء بالجلوس في مقاعد المشاهدين هناك، والتظاهر بتجاهلها رغم تأثيرها هنا وهناك.

وهناك حيث ألعاب كبرى تتقنها الدول العظمى، وتوازنات قوى تتفنن فيها أجهزة ومؤسسات، وطُعم يسهل به اصطياد أصحاب الأبواق وذوي النظريات ومنظري التوجهات، تدور قضية مقتل خاشقجي على قدم وساق.

وقد ساق القدر- أو ربما ساق آخرون- قضية مقتل خاشقجي بهذا الشكل الدرامي والتفاصيل الرهيبة والتطورات المحسوبة بالورقة والقلم ليتم تلقيننا درسًا في قواعد لعبة "هات وخذ" ذات الإطار السياسي والقلب الاقتصادي والتفاصيل الحقوقية والإنسانية والإعلامية والنفسية والعصبية.

أعصاب البعض لم تتحمل اهتمامًا رهيبًا من الإعلام الإسرائيلي بقضية خاشقجي، وكأنه كان من أصدق الأصدقاء أو أقرب الأقرباء. ولا يمر يوم، وأحيانًا لا تمضي ساعتان أو ثلاث دون أن تدق جريدة أو موقع أو قناة تليفزيونية إسرائيلية على وتر من أوتار القضية. ويُهيأ للبعض أن إسرائيل فجأة وبين يوم وليلة ودون سابق إنذار قد رأت في مقتل خاشقجي قضية من قضايا حقوق الإنسان وملفًا من ملفات الحريات والإنسانيات. لكن المسألة بالطبع ليست كذلك. إنها مواءمات، وضغوط، و"هات وخذ" من أجل انتزاع اعتراف هنا، وتوثيق صلات هناك، ولعب بالبيضة والحجر هنا وهناك.

وهناك في قضية خاشقجي نبع فياض ومنهل سيال من العبر والدروس:

"أمريكا وبريطانيا تضغطان على السعودية بشأن مقتل خاشقجي وحرب اليمن".

"وزير خارجية بريطانيا يزور السعودية والإمارات ويتحدث عن خاشقجي".

"حسن نصر الله: نحن أمام وضع جديد بعد مقتل خاشقجي قد يكون تحولاً إقليميًا".

"خطيبة خاشقجي التركية تطالب المسلمين بإقامة صلاة الغائب على روحه".

"الرياض ستطالب بتسليم قيادات أمنية تركية متورطة في مقتل خاشقجي".

"أردوغان: قدمنا تسجيلات تتعلق بمقتل خاشقجي للسعودية وأمريكا".

"فرنسا تكذب أردوغان وتتهمه بتسييس قضية خاشقجي".

"ترامب وأردوغان ناقشا كيفية الرد على مقتل خاشقجي".

"إني أختنق" آخر ما نطق به خاشقجي.

الاختناق الحادث في قضية مقتل خاشقجي لن ينتهي قريبًا، ومقدر له أن يستمر في تزويدنا بدروس وحكم في كيف تُصنع السياسات، وكيف تتكون التحالفات، وكيف تتشكل جماعات الضغط، وكيف تتفتت مراكز القوة، وكيف يتم إحلال الأعداء وتبديل الأصدقاء بحسب المصالح وخط سير الأولويات.

قولًا واحدًا، يمكن الجزم بأن انقلاب العالم رأسًا على عقب بسبب مقتل خاشقجي ليس حزنًا أو غضبًا أو اعتراضًا.

وقولاً واحدًا ليس إعلاءً للإنسانية أو اعترافًا بالحقوقية أو تنديدًا بالوحشية.

المؤكد أن البعض ممن يقف حاملاً صورة خاشقجي ورافعًا لافتة عليها عبارات رافضة لقتل الصحفيين أو إسكات المعارضين أو إخفاء المقتولين يؤمن بما يفعل.

لكن الغالبية من القائمين على أمور العالم وشؤونه، ممن انتفضوا انتفاضة غير مسبوقة ليتحول خاشقجي إلى وسيلة للتقريب بين تركيا وأمريكا، ومطرقة يستخدمها حزب الله للتنديد بالسعودية، وحجة تتمسك بها إسرائيل أملاً في انتزاع الشرعية، وشيك على بياض تمسك بتلابيبه دول هنا وهناك آملة في أن تخرج من المولد بقليل من الحمص- تعود انتفاضتهم الكونية لأسباب لا علاقة لها بخاشقجي نفسه.

خاشقجي نفسه لو كان على قيد الحياة، واختفي صحفي زميل، وقامت الدنيا ولم تقعد، وسارع وزراء خارجية، وأقبل متحدثون رسميون وخبراء محللون على التجوال والترحال للبحث عن الأدلة وطرح السيناريوهات المحتملة- لأبدى تعجبه ولعبّر عن توجسه.

وهو (رحمه الله) كان صحفيًا محنكًا قبل أن يكون مقربًا من دوائر حكم هنا أو نطاقات نفوذ هناك.

مر شهر ويزيد ومازالت الدروس المستفادة تتفجر في وجوهنا.

إعلان

إعلان

إعلان