لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

واشنطن والرياض بعد مقتل خاشقجي

واشنطن والرياض بعد مقتل خاشقجي

محمد جمعة
09:01 م الأربعاء 24 أكتوبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لا يزال التحالف " السعودي – الأمريكي" هو أحد أهم ملامح الوضع الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط. ولا تزال الرياض وواشنطن (رغم الصدى الواسع لجريمة مقتل جمال خاشقجي) لديهما من الأسباب والدوافع القوية للعمل معا، وتجنب كل ما يمكن أن يؤدى إلى توتر شديد في العلاقة بينهما. ولهذا من المهم، في سياق محاولة الوقوف على حدود تداعيات قضية خاشقجي على العلاقة بينهما، استيعاب ما يلى:

أولا: أن الولايات المتحدة الأمريكية بحاجة إلى السعودية لضبط أسواق وأسعار النفط، ومواجهة النفوذ الإقليمي لإيران، وكذلك لمواجهة الإرهاب، وشراء الأسلحة؛ لأن المملكة هي أكبر وجهة للسلاح الأمريكي، حيث تمثل 18٪ من إجمالي صادرات الأسلحة الأمريكية.

ثانيا: تحتاج المملكة العربية السعودية بدورها إلى التعاون الأمريكي في مجال الأسلحة والدفاع، والوصول إلى التكنولوجيا والاستثمار الأمريكيين، وحماية واشنطن لها ضد طهران.

كل هذا يعني أن العلاقات الجيوسياسية التي تربط الرياض وواشنطن ستظل – على الأرجح – قوية. لكن دون أن ينفى ذلك أن قضية خاشقجي ستكون لها بعض التداعيات... هذا ما يؤكده خطاب الكونجرس الحاد، وأيضا الغضب الإعلامي الذي وصل إلى درجة الحمى.

فقد أشار كل من البيت الأبيض والكونجرس الأمريكي إلى أنهما سيتخذان إجراءً إذا برزت أدلة قاطعة بأن الحكومة السعودية قد قتلت خاشقجي، رغم أن الكونجرس كان أكثر حدة في خطابه من البيت الأبيض.

في هذا السياق هناك من ذهب إلى القول – ربما حتى الأسبوع الثاني للأزمة - بأن الرئيس ترامب قد يختار أن يقود هو ردة الفعل، بفرض عقوبات على أفراد وكيانات سعودية، أو إلغاء بعض صفقات الأسلحة، أو تقليل الدعم الأمريكي لتدخل الرياض العسكري في اليمن. لكن ترامب وضع حدًا لكل هذه التكهنات من خلال تصريحاته بأن صفقات الأسلحة مهمة للغاية للاقتصاد الأمريكي. ولهذا فالأرجح أن البيت الأبيض (مثل الرياض) يحاول انتظار خفوت حدة الجدل والصخب الإعلامي، كي يواصل العلاقات كالمعتاد بعد مرور الوقت... هذه الاستراتيجية تؤكد نفسها في ظل قبول ترامب – فيما يبدو – بالرواية السعودية بأن خاشقجي توفي عن غير قصد تحت التحقيق، أو قتل من دون أوامر مباشرة من ولى العهد محمد بن سلمان.

لكن من ناحية أخرى، قد يترك مثل هذا الرد الكرة في ملعب الكونجرس... هنا قد يمرر الأخير تشريعًا ضد السعودية. وفي حالة أكثر تطرفًا، يمكن للأغلبية الفائقة لثلثي أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ الأمريكي التصويت لصالح تجاوز أي اعتراض رئاسي ضد إجراءات الكونجرس. وهناك سوابق على مثل هذه التحركات: ففي ثمانينيات القرن الماضي أجل الكونجرس أو عرقل العديد من صفقات أسلحة أبرمتها إدارة ريجان مع المملكة العربية السعودية، في حين أصدر الكونجرس أيضاً قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب في عام 2016 على الرغم من الضغوط السعودية المكثفة، بالإضافة إلى استخدام الفيتو الرئاسي.

وفي نهاية المطاف، قد يستهدف الكونجرس تجارة الأسلحة الثنائية. ومع ذلك، لأن المملكة العربية السعودية هي أكبر وجهة للسلاح الأمريكي- كما سبقت الإشارة - فإن الكونجرس لديه حافز اقتصادي قوي لتجنب إلغاء كامل للصفقات. علاوة على ذلك، فإن العلاقات الأمنية قوية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، ويظل وضع الرياض كقوة مناهضة لإيران ذات قيمة لا تقدر بثمن بالنسبة لواشنطن.

وبالمقابل من ذلك قد تحاول الرياض تهدئة رأى الكونجرس من خلال الإقدام على محاكمة بعض أو كل من أعلن المدعى العام السعودي عن توقيفهم. أو من خلال إجراءات تخص ولى العهد محمد بن سلمان نفسه، مثل التقليل من الظهور الإعلامي، ومنعه من السفر للخارج لشؤون تتعلق بالسياسة الخارجية، أو التأكيد على أنه لم يعد واجهة للرؤية 2030 في المملكة.

لقد أقنع مقتل خاشقجي العديد من الرعاة والشركات الغربية بإلغاء حضورهم في مؤتمر الاستثمار البارز الذي عقده ولي العهد خلال الـ48 ساعة الماضية. ولا شك أن المستثمرين الأجانب الذين أظهروا بالفعل ترددًا في المشاركة في برنامج رؤية 2030 للمملكة لديهم الآن سبب آخر للتخلص من العمل مع الرياض. في ذات الوقت، حتى وإن توافرت تلك الدوافع القوية – التي سبقت الإشارة إليها - بين الرياض والإدارة الأمريكية لتجاوز الأزمة الراهنة، فإن ذلك لا ينفى أن الإرباك الذى لا يزال يمثل احتمالاً حقيقياً، مع تركيبة وقرارات الكونجرس في فترة ما بعد التجديد النصفي (لا يسعى عدد من المشرعين الجالسين حاليا إلى إعادة الانتخاب في الشهر المقبل) سيكون له دور فعال في تحديد مدى تأثير قضية خاشقجي على علاقة الرياض بواشنطن.

إعلان

إعلان

إعلان