لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

كيف يفكر الرئيس؟ (2)

كيف يفكر الرئيس؟ (2)

د. أحمد عبدالعال عمر
09:00 م الثلاثاء 23 يناير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

"في سنوات السجن الطويلة في الزنزانة 54 التقى بذاته، عرف ماذا يريد؟ ولماذا يناضل؟ وحدد أهدافه وكون لنفسه فلسفة في الحياة. بعد قراءات عديدة وعميقة في التاريخ والسياسة والفلسفة والدين. وبعد ذلك حدد طموحه، وهو الرضا عن النفس، الرضا الحقيقي، الذي يميز بين العرض الزائل والجوهر الأصيل. إنها نظرة فلسفية عميقة فيها آفاق التصوف".

بتلك الكلمات وصف الراحل الأستاذ "موسى صبري" شخصية وفكر وغاية الرئيس الراحل "محمد أنور السادات" وذلك في كتابه الشهير " وثائق 15 مايو".

وبالطبع فإن ذلك الوصف لم يكن من نسج خيال الصحفي الكبير، وأكاد أجزم أنه قد سمع بعضه من فم الرئيس السادات، وأن تلك كانت رؤية السادات لذاته وحياته وغايته.

هذا يجعلني أطيل التأمل في موضوع صورة الحاكم عن ذاته ودوره، وتأثيرهما في إدارته للدولة، وانعكاسهما في سياساته وقراراته. وبخاصة الحاكم الذي يأتي في لحظة تاريخية مليئة بالتحديات، يشعر معها أنه قادم بترتيب إلهي لتنفيذ دور معين رسمه له القدر، وعليه أن يتحمل برجولة المسؤولية الكاملة للوصول بالوطن إلى بر أمان.

وفي تاريخنا المعاصر كان للرئيس عبد الناصر والرئيس السادات – رغم ما بينهما من اختلافات في الشخصية – تكوين سياسي وفكري عميق، وإحساس بثقل المهمة التاريخية الملقاة على أكتافهما.

كما كان لكل منهما وعي تاريخي وسياسي مميز، ورؤية وفلسفة في الحياة، حددت لهما- بعد وصولهما إلى منصب رئاسة الجمهورية- اتجاه السير والأهداف من أجل الوصول بالوطن إلى بر الأمان، وتجاوز التحديات والمخاطر والتهديدات التي كانت تواجهه، بصرف النظر عن مقدار نجاحهما في ذلك.

أما الرئيس مبارك، فقد تحل بسمات شخصية هي أبعد ما تكون عن عالم الفكر والتأمل، وامتلاك الوعي التاريخي والسياسي، والإحساس بعبء المسؤولية التاريخية، وهذا لأنه وجد نفسه "رئيسًا للدولة" فجأة ودون أن يملك الطموح لذلك، فأصبحت غايته بعدها "تدوير" مؤسسات الدولة، بما يضمن له الاستقرار في حكمه، والتمتع وأسرته بأبهة الرئاسة، حتى ولو صار هذا الاستقرار جمودًا يبدد الإمكانات والدور والمكانة.

ثم جاءت ثورة 25 يناير، لتنهي سنوات حكم مبارك، وتُفشل مشروع التوريث، وتلقي بالوطن في متاهة تحولات سياسية وأمنية وضعت الدولة ومؤسساتها على مشارف السقوط. وفي تلك المرحلة بدأت الأقدار في نسج الدور التاريخي للواء عبدالفتاح السيسي، الذي كان مديرًا للمخابرات الحربية في ذلك التوقيت، وكان هذا الجهاز- بعد تصدّع جهاز مباحث أمن الدولة-، هو أكثر الأجهزة الأمنية حضورًا وتأثيرًا في إدارة ملفات الدولة، ومواجهة المخاطر التي تتهددها في تلك اللحظات الحاسمة.

ثم تتابعت الأحداث والتحولات، وصولًا إلى قيام ثورة 30 يوينو، وإسقاط حكم الإخوان، ومعها سطع نجم وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي، الذي تطلعت إليه عيون وعقول وقلوب المصريين، والذين وجدوا فيه مخلصًا من حكم الإخوان، وبطلًا وطنيًا ينتمي إلى المؤسسة العسكرية التي تحتل في قلوب المصريين مكانة كبيرة.

وبعد فترة انتقالية لمدة عام أدار فيها الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور شئون البلاد، جاء المشير عبد الفتاح السيسي رئيسًا للجمهورية بانتخابات نزيهة، واستبشر أغلب المصريين بنجاحه خيرًا، وتمنوا من الله أن يوفقه في معركة إعادة الأمن والاستقرار إلى الدولة، ومعركة التنمية والإصلاح الإداري والاقتصادي.

وهنا فيما أظن، بدأت مرحلة جديدة في حياة الرئيس السيسي، تجلى فيها على أوضح ما يكون البُعد الصوفي والاستراتيجي في فكره وشخصيته، وأصبحا هما الموجهين لكل خياراته وقراراته.

أما البُعد الصوفي، فقد تجلى في يقينه التام بأن الله هو الواهب على الحقيقة، وهو المطلع على ما في قلبه، ويعلم صدق نواياه. وأن فضل الله عليه قد بلغ مداه عندما أكرمه بحكم مصر، ولا مجال لشكره على نعمه، إلا بالعمل المتواصل على خدمة المصريين، وتدعيم أركان الدولة، وإعادة بنائها، بما لا يعرضها لخطر السقوط مرة أخرى.

أما البُعد الاستراتيجي، فقد تجلى بعد اطلاعه على كافة ملفات الدولة، وإدراكه أنها تواجه أزمة شديدة، وإنقاذها وإعادة بنائها لن يكون إلا بالمواجهة الحاسمة، والمعالجة الجذرية للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة منذ عقود طويلة.

وأرجّح أن منطق تفكير الرئيس السيسي في كيفية التعامل مع واقع الدولة المصرية المأزوم شديد الخطورة، تأسس على وعيه بأن البراعة في إدارة أزمة الدولة المصرية الحالية تكمن في تحويل ما تتضمنه من مخاطر إلى فرصة لإطلاق القدرات الإبداعية، ووضع حلول جريئة وشجاعة، لم يكن من الوارد استخدامها في الظروف الطبيعية، وصولًا لهدف استراتيجي وطني بعيد المدى، هو تحسين الوضع الاقتصادي والعسكري لمصر، وتحسين الظروف الاجتماعية للمصريين، واستعادة دور مصر ومكانتها في المنطقة والعالم.

وهنا نجد الدافع الكامن خلف الكثير من القرارات والإجراءات الاقتصادية القاسية والمؤلمة، التي اتخذها الرئيس في فترة ولايته الأولى، والتي أثرت إلى حد كبير في شعبيته بالشارع المصري، وخلقت له كثيرًا من الخصوم والمعارضين، ومع ذلك لم يتردد لحظة في استكمال تلك الإجراءات، ولسان حاله الكلمة التي يرددها دائمًا "أنا عارف باعمل إيه"، وأن التاريخ هو من سينصفه، وأن الله هو من سيحاسبه.

إعلان