لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

مرشح واحد لا يكفي!

مرشح واحد لا يكفي!

أمينة خيري
09:00 م الإثنين 15 يناير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ليست وجاهة سياسية، أو كياسة دبلوماسية، أو حتى شياكة إعلامية. هي ضرورة حتمية. انتخابات رئاسية مقبلة، وديمقراطية مفترضة مصرية ناشئة، وشعب في سنة ثانية حراك (وأحيانًا عراك)، عيون مفتحة، مفنجلة، مركزة على ما يحدث وأحيانًا قبل أن يحدث.

وقد حدث أن فاجأ المصريون أنفسهم بتدني القدرة على استيعاب الاختلاف وهضم الخلاف. ربما بدت بوادر تقلص هذه القدرة- وأحيانًا اختفائها تمامًا- مع إطلاق الساحة أمام مصاصي الدماء وهواة الخراب، حين اعتلوا المنابر، وأطلقوا صيحات الغوغاء المكفرة لكل من لا يشبههم، والمطالبة إن لم يكن بمحاربتهم، فبمقاطعتهم وعدم إلقاء السلام عليهم، واعتبارهم شرًا لا بد من التعايش معه إلى أن تحين لحظات التمكين.

لكننا مع الأسف لم نلتفت لصافرات الإنذار هذه، ومنا من اندلف وراءهم مكفرًا وكارهًا ورافضًا ومقاطعًا- إن لم يكن باللسان فبالقلب. ولم نتوقف كثيرًا أمام هذه السمة الجديدة الحديثة الواردة إلى المجتمع المصري النابذ للاختلاف. ومن ينبذ الاختلاف في العقيدة ينبذه في كل المناحي الأخرى، بدءًا بالشكل واللون والنوع وانتهاءً بالمرشحين ورجال السياسة ونسائها.

وفي السياسة يلقبون الصوت الواحد والمرشح الواحد والحزب الواحد بـ"الشمولية". والشمولية هي ذلك النظام السياسي القائم على الحزب الواحد الممسك بالسلطة كلها، والذي لا يسمح بمعارضة، ويفرض على المواطنين التجمع في كتلة واحدة في الدولة. والغريب في مصر أننا لسنا دولة شمولية- أو هكذا أتمنى، ولدينا تعددية حزبية- أو هكذا تقول الأوراق ومقار الأحزاب. وعندنا شخصيات سياسية قادرة على المعارضة- أو هكذا يبدو من تدوينات فيسبوكية وتغريدات تويترية.

يقول "تويتر" صباح كل يوم إن حراكًا سياسيًا جبارًا تدور رحاه في أنحاء البلاد. ويؤكد "فيسبوك" مساء كل يوم أن ملايين المواطنين المصريين لديهم آراء وتوجهات، والبعض يحمل أيديولوجيات أو بقايا منها. وتنضح جلسات المقاهي وحوارات التاكسيات بطوفان من التنظيرات والنقاشات التي تنافس وحتمًا تتفوق على أعتى ديمقراطيات العالم وأكثرها تعددية.

لكن حين يتعلق الأمر بمرشح رئاسي تنقلب هذه الجموع الهادرة والحشود الطاغية إلى مواطنين شموليين تتكهرب أوصالهم، وترتعد مفاصلهم ما إن يعبر أحدهم عن تأييد زيد والمجاهرة بعدم حب عبيد.

تنقلب الدنيا رأسًا على عقب، وتكاد تسمع أصوات تكسير الكراسي وتهشيم الأواني على رؤوس بعضهم، بينما أنت مثبت أمام شاشتك الكمبيوترية أو تعبث بهاتفك المحمول. ويبدو الأمر كأن "زيد" هو المخلص الأوحد، أو أن "عبيد" هو المنقذ المنتظر.

العجيب والغريب والمريب أنه لا مؤيدو زيد لديهم برنامج سياسي متكامل يرتكنون إليه في تنابذهم، ولا مناصرو عبيد يمتلكون وعودًا انتخابية يرتكزون عليها في معايرتهم الافتراضية. وقس على ذلك كل من ورد اسمه على ساحة الترشح ولو على سبيل جس النبض أو قياس حرارة الشعب.

السمة الوحيدة الواضحة والمفهومة على الساحة هي المنطق المستخدم من قبل بعض العقلاء في دعم الرئيس السيسي لفترة رئاسية ثانية. فبين مواجهة للإرهاب قائمة على خبرة عسكرية وتكتيكية حقيقية، وليست تنظيرية، ومواكبة للعصر بعمل بنية تحتية خلال سنتين أو أكثر قليلاً لم تشهدها مصر على مدار عقود مضت، بالإضافة إلى عنصر نفسي يسمونه "قبول" وفي أقوال أخرى "محبة"، ناهيك بالطبع من أنه حفر اسمه في التاريخ بتخليص مصر من عصابة الإخوان.

لكن الرئيس لا حزب له، وهذا وضع صعب. والأحزاب لا مرشح لها، وهذا وضع أصعب. والمرشحون المطروحة أسماؤهم يرتكزون على "بطولات" يعتبرها البعض عادية، ويراها البعض الآخر لا تؤهل صاحبها لمنصب الرئاسة، لأن من قدم أوراقًا إلى محكمة، أو قاد قطاعًا في الجيش، أو أناب عن مواطنين في برلمان، أو رأس ناديًا رياضيًا لا يصلح بالضرورة أن يقود بلدًا.

وبدلاً من البحث والتنقيب عن برامج واضحة، وتشجيع وتعضيد للأحزاب لتقوم بأدوارها، وإصرار وإقدام للخروج من نفق تقطيع بعضنا، لأن أحدهم يرى في الرئيس السيسي الأصلح لرئاسة مصر لفترة مقبلة، وآخر يؤمن بقدرة "خالد علي" على كسر حلقة الإخوان والجيش... إلخ، فها نحن نتربص ببعضنا، ويتهم كل منا الآخر بالهطل والبله، لأنه لا يدعم مرشحه الذي لم يترشح بعد. تعددوا تصحوا، والمرشح الواحد لا يكفي.

إعلان