لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الحج الأصغر في مرسى علم

الحج الأصغر في مرسى علم

عادل نعمان
09:01 م الإثنين 04 سبتمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

1- أبو الحسن الشاذلي
في طريقه إلى مكَّة للحج، يموت الشيخ أبو الحسن الشاذلي، ويدفنه تلميذه أبو العباس المرسي، في حضن جبل حُميْثرة بالصحراء الشرقية، تبعد القرية التي احتضنت جثمانه وسُمِّيتْ باسمه مائة وخمسين كيلو مترا، من مدينة مرسى علم، ولم يكن قُطب الصوفية أبو الحسن الشاذلي يعْلَم أنَّ تلاميذه ومريديه سيحجُّون إلى تلك البقعة الصغيرة النائمة في حضن هذا الجبل الذي صعده يتعبَّد فيه بضعة أيام حتّى يُعاود رحلته إلى مكَّة، وسيكون مزارًا مُقدَّسًا لهم، يصعدونه يوم صعود الحُجَّاج في اليوم التاسع من ذي الحجَّة إلى جبل عرفة، من الفجر إلى ساعة الغروب، ثم ينفرون منه إلى مقامه في صحن الوادي في قريته “أبو الحسن الشاذلي”، كَنَفرة الحجيج إلى المزدلفة، ويطوفون بمقامه كَطَواف القدوم أو طواف الإفاضة والوداع بالبيت الحرام وهم يرددون: "مدد يا أبا الحسن"، ولم يكن يعرف أن مؤيديه يعتبرون صعود جبل "حميثرة" مُكمِّلًا لطقوس ونُسُك حجِّهم الأصغر، وإن اليوم العاشر تُذْبَحُ الذبائح وتنحر الهدى أو العتائر ولنجعلها للعتائر أقرب.

لم يكن يعرف الشيخ أن كبار السِّن منهم يَتُوقُون للموت على جبل حُميثرة، ورفقة الشيخ في ترابه كما يتوق كبار السن والعجائز إلى تراب البقيع (هذا العام مات على حميثرة ستة وعلى عرفة أربعون حاجًّا). والعارف بالله أبو الحسن الشاذلي، ولد بالمغرب ثم رحل إلى تونس حيث اعتكف بجبل زغوان قُرْب مدينة زغوان التونسية -سنعود إليها حالًا- ثم رحل إلى مصر وأقام في الإسكندرية، وتزوَّج فيها وأنجب خمسة (أربعة ذكور وفاطمة)، وهو في طريقه إلى الحجِّ حدث ما حدث على جبل حميثرة قبلة الصوفية الشاذلية، والرفاعية والأشراف والمرغنية.

2- الشيخ عبد الحليم محمود
يقف أبو الحسن الشاذلي قطب الصوفية، على باب الحرم النبوي من صباح ذاك اليوم حتَّى منتصفه، عاري الرأس حافي القدمين، يطلب الإذن بالدخول على جدِّه النبى، ولمَّا سألوه لماذا لم تدخل، قال: لم يُؤذَن لي بالدخول، حتى جاءه الإذن وسمع صوتًا: "ادخل يا علي". شيخ الجامع الأزهر عبد الحليم محمود في كتابه عن أبو الحسن الشاذلي (درة الأسرار) يستعرض بركات القطب الصوفي، منها الإذن له بالدخول على جدِّه، ومنها ما كان على جبل "زغوان" وهو جبلٌ يقع بالقرب من مدينة زغوان بتونس كما أسلفنا، وكان يتعبَّد عليه الشيخ، وقد فجَّر له الله ينبوعًا عذْبًا من الماء يشرب ويرتوي ويأكل مما تنبت الأرض حلالًا طيِّبًا، يقول شيخ الأزهر لما قرأ القرآن ووصل إلى الآية: "وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها"، وتفسيرها: "هؤلاء الذين اتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا وغرَّتهم الحياة الدنيا، لو جاءوا بملء الأرض ذهبًا لتفتدي به، ما قُبِل منها"، فكان الجبل يميل معه يُمْنةً ويُسْرةً حتى جاءه الأمر من ربه: "يا علي اهبطْ للناس ينتفعوا بك"، فيخاطب الشاذلي ربَّه: "يا ربّ أقلني من الناس، فلا طاقة لي عن مخاطبتهم"، كل هؤلاء إذا ما اقتربوا تاهوا وضلّوا، منهم من رأى الله جهرةً ومنهم من كلَّمَه تكليمًا، ومنهم من كان حِبَّه وخليلَه، وعلينا السمع والاعتقاد، والحج إلى حُميثرة.

3- الجعد بن درهم
خالد القسري الدمشقي والي الكوفة، في عهد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك بن مروان، في صبيحة العيد ويوم النحر، يربط الجعد بن درهم في المنبر حتَّى يفْرغ من خطبة العيد، فيخطب في الناس: "أيها الناس ضحُّوا، تقبَّل الله ضحاياكم، وإنِّي مُضَحٍّ بالجعد بن درهم"، ينزل خالد من منبره، ويذبح الجعد بسيفه ويفصل رأسه ويُضَحِّي به، ولا يعترض من المسلمين أحدٌ ليقول لخالد: "وفديناه بذبح عظيم"، فلا ضحية بإنسان مهما كان فعله، بل إنَّ الفقهاء استحسنوا التضحية بالجعد وقالوا: "قَتْلُ الجعد أعْظم وأفضل أجرًا من الضحايا، وثوابُها أعظم من ثواب الضحية". والجعد بن درهم من أئمة العقل، بل إمامهم، يرفض نسب الصفات إلى الله فليس كمثله شيءٌ (يسمُّونهم الجهمية "نسبة إلى الجهم بن صفوان تلميذ الجعد"، أو المعطِّلة الذين يُعطِّلون صفات الله)، فليس استِواءَ الله على العرش جلوسًا كما نجْلس، لكنَّه استيلاءٌ، وأنكر الجعد أن يكون الله قد اتَّخذ إبراهيم خليلًا أو كلَّم موسى تكليمًا، بل خِلَّة الله لها صفاتها ووصالها، وكلام الله إلى موسى وَحْيٌ أو نداءٌ، فالله لا يتَّخذ بذاته خِلًّا ولا يتكلَّم مع عبده بلسانه، والجعد أول من نادى بخلق القرآن (لنا معها موضوع).

الأمويون يرفضون إعمال العقل، وما زال أحفادُهم يُعملون الجهل والخرافة وتوهان العقل في دهاليز الأساطير وحكايات المخرفين، وإبعاده عن التدبر والتفكير مهما أصابه من شطَط، هو وسيلة السيطرة وقيادة الأمم المسلمة، الخرافات في تاريخنا سهمٌ من سِهام القبول والتسليم يخترق العقل يَشلُّه ويستبعده ويستعبده ويحكمه، لا سيطرة على عقل المسلم إلا بتجريفه وتخريفه وتخريبه، ولو كان الجعد بن درهم مُصاحبًا لأبي الحسن الشاذلي، أو الشيخ عبد الحليم محمود، لضحَّى الخلفاء والأمراء كُلَّ عيدٍ بالألوف من الجعد بن درهم.. رحْمةُ الله على العقل.

إعلان