إعلان

حاتم الجمسي محلل سياسي وصانع سندويتشات أيضًا

حاتم الجمسي محلل سياسي وصانع سندويتشات أيضًا

د. جمال عبد الجواد
09:01 م الجمعة 22 سبتمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع


ضحك بعضنا، وأُصيب بعضنا الآخر بالصدمة، عندما علمنا أن حاتم الجمسي الذي قدمته لنا محطات تليفزيونية عدة –خاصة وحكومية- باعتباره كاتبًا صحفيًّا، ومحللًا سياسيًّا متخصصًا في الشئون الأمريكية، هو في حقيقة الأمر صانع سندويتشات في نيويورك. بعض وسائل الإعلام المصرية ارتكبت الخطأ الفادح، فقدمتْ بائع السندويتشات باعتباره محللًا سياسيًّا، وكتبت تحت اسمه "كاتب صحفي"، بينما الرجل لم يكتب مقالًا واحدًا في أي جريدة.

عندما فضحت نيويورك تايمز الأمريكية حقيقة بائع السندويتشات سارعت وسائل إعلام أخرى للتواصل مع الجمسي للتعرف على وجهة نظره، وهذا خطأ آخر فادح ارتكبته وسائل الإعلام هذه. لم تكن المشكلة في التواصل مع الجمسي، فالأخير هو بطل رئيسي في قصة صحفية مثيرة، ولكن المشكلة هي في تجنب أغلب وسائل الإعلام التحدث إلى باقي أبطال القصة، وأقصد بهذا مسئولي القنوات التليفزيونية التي استعانت بخدمات الجمسي، والتي لولا عبقريتهم المشهود لها لما أُتيحت لنا الفرصة للتعرف على آراء حاتم الجمسي.

حاتم الجمسي هو مواطن طموح انتهى به الحال إلى مجال عمل أبعده عن طموحه للشهرة. لدينا في مصر الكثير من هؤلاء الذين أحبوا التمثيل أو الغناء أو الصحافة أو الزعامة السياسية لكن قدراتهم كانت أقل من طموحاتهم، فظلوا يطاردون الحلم الضائع حتى بعد أن أفلت من بين أيديهم. بعد أن أسس الجمسي لنفسه مصدرًا محترمًا للرزق في نيويورك كتاجر بقالة وصانع سندويتشات، انتقل الجمسي للبحث عن وسيلة لإشباع طموحه للشهرة، فاختار السياسة مجالًا.

السياسة موضوع يمكن لأي عابر سبيل التحدث فيه، هكذا يبدو الأمر في بلادنا. على وسائل التواصل الاجتماعي يُعبر الناس عن آرائهم السياسية بلا ضابط. لا بأس، فوسائل التواصل الاجتماعي هي مساحات حُرة مفتوحة للكافة من أجل تمكينهم من البوح بأي شيء يعتمل في نفوسهم. وسائل التواصل الاجتماعي ليس لها بوابات يقف عليها حراس يمنعون أصحاب الآراء التافهة أو غير المدروسة. مؤخرًا فقط بدأت وسائل التواصل الاجتماعي في حجب بعض الآراء العنصرية والتي تدعو للكراهية والعنف، مع تضييق شديد للتعريف الذي يضم هؤلاء.

وجود حراس البوابة هو الفارق الرئيسي بين وسائل الإعلام المؤسسية وتلك التي يقوم العامة بكتابتها والنشر فيها. حارس البوابة يختار الآراء ويختبر جودتها، ويتأكد من صلاحية أصحابها، فالفائدة والقيمة المعرفية، وليس مجرد التعبير عن الرأي، هو مبرر وجود وسائل الإعلام المؤسسية. في وسائل الإعلام المؤسسية هناك هياكل ووظائف وآليات تضمن جودة ونوعية المادة الجديرة بالمرور من اختبارات الكفاءة والجدارة المهنية، وعندما يستطيع حاتم الجمسي اجتياز هذه البوابات، فالمشكلة ليست في الجمسي، ولكن في الفشل الذريع الذي سقطت فيه البوابات وحراسها. وعندما لا يكلف أي من القائمين على قنوات أفسحت المجال للجمسي نفسه لتقديم شرح أو اعتذار، فإنه لا يبدو أن أحدًا منهم لاحظ أن هناك مشكلة، أو أنه تعلم أي شيء من هذه الفضيحة.

كل الشكر لحاتم الجمسي الذي كشف عورات وسائل إعلامنا. فعندما يصبح الهمُّ الرئيسي لوسائل الإعلام هو تسويد الصفحات وملء ساعات البث الطويلة بأي كلام ولو كان عديم المضمون، فالأزمة كبيرة. الكلام التافه فاقد المحتوى الذي يرد على ألسنة ضيوف كثر في قنواتنا شجَّع حاتم الجمسي على أن يجرب حظه، وأشهد أنه نجح في الاختبار، ولولا تدخل الإمبريالية الأمريكية، ممثلة في جريدة نيويورك تايمز، لكان نجم الجمسي ساطعًا في الأيام الأخيرة، وهو يُطل علينا يوميًّا لتحليل أنشطة الرئيس السيسي في الجمعية العامة للأمم المتحدة

إعلان

إعلان

إعلان