لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

المرأة التونسية: نعم لمساواة المرأة بالرجل في الميراث

المرأة التونسية: نعم لمساواة المرأة بالرجل في الميراث

عادل نعمان
09:05 م الإثنين 28 أغسطس 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في المقال السابق استعْرضْنا زواج المسلمة من الكتابي. ونتوكل على الله، ونستعرض ثانيًا: مساواة المرأة بالرجل في الميراث (والمقصود هنا هو مساواة الأخِّ بالأخت، وليس الرَّجل بالمرأة على إطلاقه)، لأن المرأة في حالات ليستْ هي حالتنا هذه، ترث أكثر من الرجل، ونُعطي مثالين الأوَّل: رجل ماتت زوجته وله منها ابنتان فله الربع ولهما الثلثان، والثاني: رجلٌ ماتتْ زوجته وله منها ابنة واحدة فله الربع ولها النصف. لكن المقصود هو مساواة الأخت مع الأخ في إرثهما، وليس الرجل والمرأة. 

ندخل في الموضوع: حين جاء الإسلام لم يكن مُنعزلًا عن الحراك الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي أو التشريعي في المجتمع، وكان لضرورات اجتماعية وسياسية واقتصادية وأمنية، ونتاج فكر بشري جمعي وتراكمي، ولم يكن من الحكمة هَدْم هذه البناءات، فقد أبقى ووافق على الكثير منها لضرورتها وثباتها، كالإبقاء على حد قطع يد السارق، وحد الحرابة، وملك اليمين والرق، كما أبقى على طقوس الحج والعمرة، وعِدَّة المرأة، ومن الظواهر الاجتماعية السائدة أن العربي لم يكن يُورِّث النساءَ أو الأطفالَ عامةً، والرجال الذين يأبون المشاركة في الغزوات لعدم اشتراكهم في جمع المال والثروة من الغزو، بل وصل الأمر إلى أن يرث الابن أمه، وزوجة أبيه فيتزوجها إذا رغب، أو يُزوِّجهما للغير، عدا بعض القبائل كقبيلة عمرو بن النفيل، وذي المجاسد، وعامر العدواني، فكانت المرأة تَرِث من مال أبيها نصيبا، منها نصف الرجل في البعض وأقل في الأخرى، وربما قد أخذ الإسلام أفضل ماكان عند العرب قائما. ولما وافق الإسلام على استمرار هذه الظواهر والأحكام، فكان مقبولًا عنده تطويرها، أو إنقاصها إذا كان النقصان واجبًا، أو الإضافة إليها إذا ما كانت حاجة الناس إليها قائمة، ونسخها إذا انعدمت الحاجة إليها. ونأخذ مثالًا على الإضافة (حق الكد والسعاية، أو حق الشقاء)، ونرجع في هذا (لابن عرضون) وما قاله عن فقه النوازل والمستجدات، وهو القاضي أبو العباس أحمد بن الحسين، وهو على المذهب المالكي قال: (إن شَقاء المرأة مع زوجها ينبغي أن يوضع في الحسبان بعد الطلاق أو وفاة الرجل، فلها أن تحصل على النصف من تركته وحقّها الشرعي من الميراث إذا مات عنها زوجها أو طلقها دون أولاد)، واستند إلى واقعة في عهد عمر (لم يجرؤ أحدٌ أن يتَّهم الخليفة عمر بهدم ثوابت الدين، وهو الذي أوقف وغيَّر وألغَى نصوصًا وأحكامًا قطعية الدلالة والثبوت) والحكاية أنَّ امرأةً تُدعى "حبيبة بنت زريق" زوجة "عامر بن الحارث"، كانت تُطرِّز له الأثواب ويبيعها في الأسواق، وجنيا من وراء هذا مالًا وفيرًا، فلمَّا مات ولم يترك أولادًا منها، منعها إخوتُه حقَّها، فرفعتْ أمرها إلى الخليفة عمر، فقضىى لها بنصف التركة، على أن ترث شرعًا في النصف الباقي، ولقد أصَّل المالكية هذا الحكم (المذهب المالكي منتشرٌ في بلاد المغرب)، وعُرف (بحق الكد والسعاية، أو حق الشقاء، أو حريق اليد)، فهذه إضافة أضافها الخليفة عمر ردًّا لمظلمة، وخروجًا عن حكم قطعي الدلالة قطعي الثبوت. 

مثال آخر في الإضافة في المواريث وهو "الوصية الواجبة"، وكانت تحجب "يمنع" الإرث عن أبناء المُتوفى في حياة أبويْه، وكان لهذا الحكم أثرٌ سيئٌ على العلاقات الأُسريِّة، وضَيَّق هذا الحكم على الأُسر التي حُرِمتْ من الميراث، ووسَّعتْ أكثر على الأُسر التي استفادت من حق المحرومين منه، فباعدت بينهما، ورسَّخت بُنيانًا من الحقد والغِلِّ والكُرْه، وصل إلى حدِّ القتْل في صعيد مصر في حالات كثيرة، حتى انتبه المُشَرِّع في منتصف القرن الماضي إلى هذا الخلل فقوَّمه وصوَّبه بالوصية الواجبة، أخذًا عن المذهب الجعفري، الذي استند إلى الآية (كُتب عليكم إذا حضر أحدَكم الموتُ إن ترك خيرًا الوصية للوالديْن والأقربين بالمعروف) والآية (مِن بعْد وصيةٍ يوصي بها أو دين) ويُقرُّون أن القرآن قد جاء بالوصية دون استثناء لوارث. فعدَّلت الوصية الواجبة الميزان، وأصلحت المُعوَج، وأعادت الحق إلى أصحابه، ورسَّختْ للعلاقات الأُسرية الطيبة بين أولاد العمومة وغيرهم، فهل هذه الإضافة وترسيخ مبدأ العدل والرحمة -وهما مراد الله- هدمٌ لثوابت الدين، وهو خروجٌ واضحٌ وصريحٌ عن حكمٍ قطعيِّ الدَّلالة قطعيِّ الثبوت؟ أمَّا مثالنا عن النسخ أو الإلغاء فهو في أحكام الرِّق وأحكام ملك اليمين، وهي أحكام قطعية الدلالة قطعية الثبوت أيضًا، وهي موجودة حكمًا وتلاوة يتعبَّد بها ولم تنسخ شرعًا، بل نَسَختْها القوانين نتيجة الثورات التحرُّرية للعبيد وللمرأة، ولا يجرؤ أحدٌ على مُخالفتها، حتى من المشايخ الذين يرددونها على مسامعنا ليل نهار؟ لماذا؟ لأن القانون الوضعي جرَّم فِعلَها وعاقب فاعلَها، وهو نافذٌ عن الشرع، ورُبما يقول قائلٌ: إنَّ الرِّق قد اندثر وتلاشى بفعل العتق والكفارة، وفي هذا مغالطة واضحة وصريحة، فقد أغلقوا مصدرين ضعيفين وفتحوا مصدرًا أوسع مئات المرَّات، وهو رِقُّ الغزوات والفتوحات، والذي كان بسببه امتلأتْ بيوت المسلمين بالألوف المُؤلفة من الرقيق وملك اليمين والسبايا والعبيد،كمَنْ أغلق شبَّاكا وفتح بابًا أرحب وأوسع. 

ويبقى المقصد الأخير من الحكم وهو قوامة الرَّجل على المرأة (الإنفاق)، وهو مقصد نبيل الهدف والغاية وعِلَّة مقبولة استدعت الحكم في أوانه، فلم يعد هذا المقصد معمولًا به أو متاحًا، فالمرأة تُشارك الرجلَ نفقات الأسرة، بل هناك نساء يقع على عاتقهن إعالة الأسر برجالها، مما يجعل من اللازم أن يدور الحكم مع العِلَّة وجودًا وعدمًا. إن مساواة الأخ بالأخت في الميراث مقبول عند الآباء والأمهات، مرفوض عند الأبناء، ولو عجَّلنا الزمن لوافق الأبناء على ما رفضوه بالأمس، حين ينظر إلى بناته ما ينظر لأبنائه من الذكور، والله رؤوفٌ بالعباد . مبروك تونس وعقبالنا.

إعلان