لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الألفي والبورصة

الألفي والبورصة

د. جمال عبد الجواد
08:58 م الجمعة 25 أغسطس 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بعد تطويره تحوّل شارع الألفي إلى مساحة مفتوحة تمتنع فيها السيّارات عن مزاحمة البشر. في شارع الألفي لا يجد الفرْد نفسه مُضْطرًّا للتحلِّي بأقْصى درجات الانتباه، وللتلفت يمينًا ويسارًا، قبل أن يَعْبر الشارع، فالشّارع كله للمشاة، يمكنهم العبور من جانب الشارع الأيمن إلى جانبه الأيسر دون خوف من أن تصدمهم سيّارة مسرعة.

شارع الألفي هو جنة المشاة في القاهرة، فبينما لا توجد في أغلب شوارع العاصمة أرصفة صالحة للاستخدام الآدمي، فإن شارع الألفي بمجمله تحوّل إلى رصيف واحد كبير، يمشي فوقه المشاة بحرّيةٍ تامّة. في شارع الألفي يمكنك أن تمشي بلا أي تركيز فالمكان آمن، أو يمكنك أن تنشغل بمشاهدة البشر والمحلّات والعمارات، دون أن تنظر تحت قدميك، ففي شارع الألفي تمت إزالة الزوائد، والبروزات، وبقايا الأرصفة، وأسياخ الحديد، والأغطية الحديدية العشوائية، التي يتعثر فيها المشاة في باقي شوارع العاصمة، فتنفتح جروحهم نازفةً، أو تطرحهم أرضًا لتنْكسِر لهم أرجلٌ وأذرعٌ.

في شارع الألفي يمكنك أن تمشي رافعا رأسك لأعلى للتمتع بمشهد العمارات القديمة بعد تجديدها وإعادة طلائها، فتشعر وكأنّك انتقلت للحياة في القاهرة قبل سبعين عامًا، أو أنك تحيا أحداث فيلم بالأبيض والأسود من زمن أنور وجدي أو حتى عبد الحليم حافظ.

شارع الألفي هو متنفس جميل يلتقي فيه أهْل القاهرة. ولكن حتى لا تأخُذك الحماسة وأوهامها، فإنَّ ما نتحدَّث عنه هو جزء صغير من شارع الألفي، طوله لا يزيد في أفضل الأحوال عن ثلاثمائة متر، تمتد في المسافة بين ميدان عرابي/التوفيقية وشارع عماد الدين، أما الجزء الأكبر من شارع الألفي، والممتد حتى شارع الجمهورية، فما زال على حاله.

تطوير شارع الألفي، وتحويله إلى مساحة عامة مفتوحة لكل الناس، هو إنجاز يستحق التحية والتشجيع، لكنّه في كل الأحوال إنجازٌ صغيرٌ جدًّا بالقياس إلى احتياجات العاصمة. فالقاهرة ما زالتْ بعيدةً جدًّا عن امتلاك عددٍ كافٍ من مساحات المجال العام المفتوح، وهي المساحات التي تُميّز مدن العالم الكبرى عن البلدات الصغيرة.

في القاهرة الخديوية مساحاتٌ إضافيّة يُمكن تحويلها إلى مساحات عامّة مفتوحة رائعة الجمال، والمرء ليعجب من الطريقة التي يجتمع بها في وسط المدينة نفسها شارع الألفي رائع الجمال، مع منطقة البورصة، المهجورة، المظلمة، مقطعة الأوصال، التي تنتشر فيها أسوار الأسلاك الشائكة.

لقد سبق لمنطقة البورصة أنْ وقعتْ تحت الاحتلال الغاشم لمقاهٍ عشوائية رخيصة، وكان لا بُدَّ من إنهاء هذا الوضع. لكن إغلاق المنطقة وتحويلها إلى مدينة أشباح ليس حلًّا مقبولًا. وأظنُّ أنَّ الخبرة التي تعلمتها أجهزة الحكومة في عملية تطوير الألفي، يمكن أن تساعدها في تطوير منطقة البورصة.

شارع الألفي يدعُو للفخر، فمن فضلِكم أعطونا مزيدًا من أسْباب الفخر بعاصمتنا وبلدنا.

إعلان