لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الثقافة في مكان آخر!

الثقافة في مكان آخر!

محمد شعير
08:11 م الخميس 17 أغسطس 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

 

عندما أحس عبد الناصر أن المطربة اللبنانية فيروز بدأت في سحب البساط بصوتها العذب من مصر، أمر أجهزة الدولة وإعلامها بتبني عفاف راضي لتكون منافسة لها، وبالفعل اشتغلت كل أجهزة الإعلام من أجل هذا الهدف.. صحيح أن عفاف راضي موهبة كبيرة، ولكن – كما قال لها ذات يوم المخرج حسين كمال: "لن تنجحي ولا هتفشلي حتى".. وكان قد عرض عليها بطولة أحد الأفلام، فرفضت، واختفت عفاف راضي فيما بعد، وتوقفت بينما ظلت فيروز مبدعة!

وعندما اختلفت جيهان السادات – لأسباب عديدة- مع أم كلثوم، تبنى السادات إرضاء لزوجته صوت مطربة شابة في ذلك الوقت " ياسمين الخيام"، يذكر لها جيلنا أغنية وحيدة هي "المصريين أهما" التي كانت تذاع عقب حصول أحد الأندية المصرية أو المنتخب على البطولة الأفريقية.. وانتهى الحال بالخيام بأن تعود إلى اسمها القديم "الحاجة ياسمين الحصري" وتقدم أحد برامج الطبخ وقضايا المرأة على أحد القنوات التلفزيونية!

مبارك نفسه تدور حكايات حول دعمه لأصوات غنائية كثيرة مثل إيمان الطوخي، وآمال ماهر.. بحثا عن أم كلثوم جديدة في عصره!

أتذكر هذه الحكايات القديمة، بسبب الحديث الدائم عن "قوة مصر الناعمة" الذي أصبح محورا لمناقشات وسائل الإعلام والبرامج التلفزيونية.. وهو مصطلح "حق" يراد به باطل.

لم تصنع أي سلطة أم كلثوم، صنعها صوتها، ولم يكن لأي سلطة أن تتجاهل قيمتها فى أي وقت من الأوقات، ولم تكن حماية دولة يوليو لها أو لنجيب محفوظ أو طه حسين أو عبدالحليم حافظ، وصلاح عبدالصبور، وصلاح جاهين وسعاد حسني، ويوسف شاهين، وكمال الطويل والموجي، وبليغ حمدي سوى إقرار بهذه المواهب التي شقت طريقها بدون وساطات أو دعم.. مواهب قادرة على الاستمرار سواء رضيت عنهم السلطة أو رفضتهم، بل إن موهبة كبرى مثل أحمد عدوية، لم تدعمه أية سلطة، بل رأته مفسدا للذوق العام، وللأخلاق التي تكرسها السلطة.. ولكنه استطاع الصمود بموهبته!

الموهبة كالفضيحة كما يقول محمود درويش.. وليس مطلوبا من الدولة في هذه اللحظة لاستمرار قوتها الناعمة أن تقوم بدور الراعي، فهو دور تجاوزه الزمن تماما، مطلوب من الدولة أن ترفع كل أشكال الرقابة على الإبداع والنشر والسينما، فلا إبداع بلا حرية.

مطلوب منها فقط أن تفتح نوافذ، مسارح ومراكز شباب وبيوت ثقافة تترك كل المواهب تتصارع، وما ينفع الناس يمكث في الأرض أما أن تضع السلطة رهانها على من تختارهم وفق شروطها.. الودعاء الطيبين فهذا رهانها الخاسر دائما. الثقافة في مصر الآن في مكان آخر خارج وزارات الحكومة.. وخارج رعاية السلطة. فلا تراهنوا على الميديوكر!

 

إعلان