لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بالدولار.. نستورد الموت !!

عصام بدوى

بالدولار.. نستورد الموت !!

عصام بدوى
11:33 م الأحد 16 يوليو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم: عصام بدوى

ألغت محكمة القضاء الإدارى منذ عدة أيام، قرارا باستيراد شحنات قمح تحوى نسبة لا تتجاوز 0.05% من فطر «الإرجوت» السام، وهو إجراء كان متبع بدون قرار أو سند قانونى منذ 2010، وبمعنى بسيط، فالمصريين يتناولون شحنات من القمح المستورد يحوى فطرا ساما منذ 17 عاما.

وتستورد مصر التى تعتبر أكبر مستورد للقمح فى العالم ما يتراوح ما بين 10 و11 مليون طن سنويا بفاتورة تقدر بنحو مليارى دولار، ملوثة بهذا الفطر السام، بينما نزرع فقط 4 ملايين طن فقط من القمح النظيف، ليسجل استهلاك المصريين ما يقارب الـ 15 مليون طن سنويا.

الأغرب من ذلك أن تشريعات الحجر الزراعى المصرى، والتى تعتبر من أقدم التشريعات الزراعية فى العالم، تنص على عدم دخول قمح به أى نسبة من فطر «الإرجوت»، حيث تعتبره من الفطريات السامة والخطرة على الإنسان والحيوان، حال تناول القمح الذى يحوى هذا الفطر.

ولمن لا يعرف «الإرجوت»، فهو فطر ضار جداً بصحة الإنسان، إضافة إلى أنه يسبب أمراض خطيرة على الحيوان ايضاً، وهو من أقدم الأمراض التى تسبب الاجهاض لدى الإنسان والحيوان، حيث أزهق الآلاف من الأرواح نتيجة التغذية على دقيق ملوث بأجسام الفطر الحجرية المطحونة معه، وقد انتشرت الخرافات فى القرن الثانى عشر ظناً أن ذلك سببه غضب الإله وكانت تقدم لهم القرابين "الأضاحى" توسلا للعفو ومنع المرض المسبب للتسمم الدموى وسقوط الأطراف، والذى عرف فيما بعد باسم Ergotism وتمثل بعض اللوحات المحفوظة فى متاحف ألمانيا "الشعب وهو يقدم القرابين لإله الصدأ لحمايتهم من هذا المرض اللعين وتظهر الأطراف الساقطة أعلى الصورة".

وتتمثل خطورة هذا المرض فى تحول حبة القمح المصابة بهذا المرض إلى جسم حجرى مكون من مكونات الفطر، وهى شديدة السمية للإنسان والحيوان، وذلك عند تغذية الإنسان على حبوب مصابة، وتكون شكل الإصابة إما تحطم الأنسجة العصبية مؤدية للشلل، كما يسبب ضعف الدورة الدموية لحد يؤدى لحدوث غرغرينة فى أصابع اليد والقدمين، مما يؤدى إلى تحللها وسقوطها.

وتبعا لأحدث الأبحاث التى قام بها خبراء الزراعة بمركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة، أصبح هذا الفطر يمثل خطرا حقيقيا على زراعات القمح المصري، الذى يعتبر أجود أنواع القمح فى العالم وأغلاها، وذلك بعد أن أصبح المناخ المصرى قابل لنمو هذا الفطر حال دخوله إلى البلاد فى شحنات القمح المستوردة، وذلك بسبب التغيرات المناخية التى أصابت مناطق العالم، لتتغير بعدها الخريطة المناخية الخاصة بمصر من بلد غير قابل لنمو هذا الفطر لبلد قابل لاحتضانه ونموه.

الأعجب من ذلك، انه فى مارس 2016، تم الإطاحة برئيس الحجر الزراعى، الدكتور سعد موسى من منصبه، وذلك بعد أن تمسك بقوانين الحجر الزراعى المصرى ومنع دخول شحنات قمح بها قمح ملوث بهذا الفطر، خوفا على صحة المواطنين المصريين، وتم تكليف الدكتور إبراهيم إمبابى خلفا له، والذى اتخذت فى عهده محكمة مصرية قرارا تاريخيا بمنع دخول شحنات قمح ملوثة بهذا الفطر، وحتى لو كانت بنسبة 0.05%، وكلفت المحكمة لجنة من خبراء مركز البحوث الزراعية بعمل دراسة عن سلبيات دخول هذا الفطر على الإنسان والزراعة المصرية، والتى أقرت بكوارث دخوله، لتجبر الحكومة بعدها باتخاذ قرارا تاريخيا بمنع دخول القمح الا بصفر فى المائة من هذا الفطر.

ولأن الرياح تأتى بما لا تشتهى السفن.. مارست الدول الكبرى كأمريكا وروسيا ضغوطا صعبة على مصر، نظرا لكونها المحرك الأساسى لأسعار القمح فى البورصات العالمية، حيث أخذت الضغوط شكلا من أشكال مقاطعة التجار للمناقصات المصرية لشراء القمح، معللة أنه لا يوجد فى العالم قمح بدون «إرجوت»، فى حين أن كراسات شروط مناقصات وزارة التموين تحوى نوعين من القمح .. بالإرجوت وبدون إرجوت، والفارق كان وقتها 16 دولارا للطن بين النوعين.

بل أن هناك دولا تضع شروطا فى استيراد القمح بنسب من الإرجوت تراها آمنة لمواطنيها، ويتم تنفيذها، ومن هنا أليس من الأولى أن تضع مصر شروطا ونسب آمنة فى القمح الذى تستورده، لكونها أكبر مستورد للقمح فى العالم والمحرك الأول لأسعاره فى البورصات الدولية؟.

ومن الضغوط، التى تم ممارستها على مصر لقبول استيراد قمحا ملوثا بهذا الفطر السام، انه تم منع تصدير الموالح المصرية إلى روسيا ثم البطاطس، كما شنت أمريكا حملة ضد الفواكه المصرية المصدرة للخارج ومنها الفراولة، تنفيذا لمبدأ المعاملة بالمثل.

وبسبب اهتزاز المخزون الاستراتيجي من القمح بالنسبة لمصر، استقطبت وزارة الزراعة خبراء من منظمة الفاو لإجراء دراسة حديثة، تقر أن نسبة 0.05% من الإرجوت فى القمح تعتبر نسبة آمنة ومعمول بها عالميا، ولتكون تلك الدراسة هى الحل السحرى الذى يحفظ للحكومة ماء وجهها للتراجع عن القرار، وقبول قمحا به نسبة من الإرجوت، بعدما انتصرت لصحة المواطن بالقرار السابق.

والذى لا يعرفه المواطن، أن تلك المواصفة أو النسبة التى أقرتها منظمة الأغذية العالمية "فاو"، تلائم المواطن الأوروبى والأمريكي، الذى يتناول 60 كيلو قمح سنويا، بينما يتناول المواطن المصرى 200 كيلو قمح، بمعنى أن المواصفة تمثل 3 أضعاف الدولية وبمعدل 0.15%، وبالتالى تصبح خطرا على صحة المواطن.

وبعد جدال ونقاش واجتماعات عديدة، رضخت مصر للضغوط، خاصة بعدما تم ايهام رئيس الحكومة الحالى شريف إسماعيل، بعدم وجود قمح بدون إرجوت، رغم مخاطبة رسمية جرت من سفير براجواى فى القاهرة، مستر نيلسون السيدس مورا، الموجه لوزير الزراعة واستصلاح الأراضى السابق، الدكتور عصام فايد، فى 27 سبتمبر 2016، تفيد استعداد براجواى «أحد دول أمريكا الجنوبية» توفير 4 ملايين طن من الأقماح عالية الجودة والخالية من «الإرجوت» الفطر القاتل، ومن حشيشة الأمبروزيا، وبسعر أقل من السعر العالمى بما يتراوح من 6 إلى 8 دولار عن مثيلها المصابة بنسبة 0.05% من الإرجوت، والتى تم توريدها لمصر فى نفس الفترة الزمنية. 

مصر للأسف، أصبحت تستورد الموت وبالعملات الصعبة، بعد أن كانت وعلي مر العصور تطعم جميع دول العالم في العهد الروماني، وكان جزءا من الضرائب في مصر ضريبة القمح والشعير والفول والكتان والزيتون، والتى كانت تجمع لصالح الجيش الروماني، وتسمى ضريبة "الأنونا المدنية"، وكانت عبارة عن كميات من القمح، وباقي المحاصيل تشحن من مصر إلي روما حسب احتياجاتها، وكان يطلق علي هذه الشحنة "الشحنة السعيدة"، بينما تحولت في عصر الاحتلال البيزنطي من عام 342 إلي قسطنطينية.

وكانت الكمية المرسلة من الشحنة الغذائية تصنع 80 ألف رغيف خبز يوميا بمعني 1.095.000 أردب قمح في العالم من كد وتعب المصريين، وبعدها زادت الكميات المشحونة، وفى عام تأخرت الشحنة 10 أياما فحدث ثورة جياع في أوروبا كلها !!.

وأخيرا، على الحكومة المصرية أن تدرك تماما أن الفلاحه هى الوسيلة الوحيدة التى تضمن بها الدول استقلالها الخارجى، فلو امتلكت كل ثروات العالم بينما ينقصك الطعام فإنك ستكون تحت رحمة الاخرين.. وتذكر ان التجارة تنتج لك الثروة، لكن الفلاحه تمنحك الحرية.

إعلان