لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الاصطفاف الوطني الخانق

الاصطفاف الوطني الخانق

أمينة خيري
09:00 م الإثنين 18 ديسمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

المراسل المُسيس لوسائل إعلام أجنبية شأنه شأن الإعلامي المحلي المُسيس. لكن أيهما أكبر أثرًا وأسمع صوتًا؟! قطاع من المصريين يتابع بحزن شديد وقلة حيلة كبيرة ما يُكتب عن مصر وما يُبث عنها في وسائل الإعلام الأجنبية. هذا القطاع يعرف تمامًا أن جانبًا كبيرًا مما يُقال عنا يتبع نهج هذه الدول والذي بات معروفًا على مدار السنوات السبع الماضية. هذه الدول إما غير قادرة على رؤية البعد غير الديمقراطي في العملية الديمقراطية التي أتت بأول رئيس إخواني أتت به الصناديق، أو غير راغبة في الرؤية.

رؤية الإعلام الأجنبي ظلت تلحق عبارة "الرئيس السيسي وزير الدفاع السابق الذي أطاح بأول رئيس مدني «إسلامي» منتخب" أو "الرئيس السيسي الذي قام بانقلاب عسكري ضد الرئيس الإسلامي المنتخب ديمقراطيًا" (وهي العبارة التي أٌلحقت فيما بعد من قبل بعض الحكماء بـ"الانقلاب الذي أيدته قواعد شعبية كبيرة"). لكن على نفس القدر من أهمية تواؤم التغطيات الإعلامية الأجنبية وتوجهات دولها سياسيًا، تتبوأ عقيدة المراسل المصري الذي يعمل لدى هذه المؤسسات الأجنبية مكانة بارزة في توجيه دفة التغطية.

التغطية الخاصة مثلاً بالعاصمة الجديدة لا تحمل عادة في الإعلام الأجنبي إلا إشارات عن "دور الجيش" وتساؤلات حول "قصور فاخرة ومبان فارهة ستكون مخصصة لأولي الأمر"، وتشككات في قدرة مصر على تمويل مثل هذا المشروع الضخم في هذا التوقيت. وللأمانة كل ما سبق نقاط جديرة بالبحث والتنقيب، لكنها في الوقت نفسه لا ينبغي أن تؤخذ مأخذ المعلومات التي تنبني على أساسها الاستنتاجات.

استنتاج حمله العنوان الفرعي لمقال نشرته "فاينانشيال تايمز" البريطانية يقول نصه: "الجيش يشرف على بناء عاصمة جديدة كمحفز لتثبيت حكمه". ويمضي المقال في التأكيد وإعادة التأكيد ثم التوكيد وإعادة التوكيد وبعدهما التذكير وإعادة التذكير على أن "الجيش يسيطر" و"الجيش يهمين" و"الجيش يحتكر" و"الجيش يتدخل" وذلك بتعليمات من "السيسي الذي انقلب على أول رئيس منتخب ديمقراطيًا". ورغم التصريحات التي أدلى بها مسؤولون من العاصمة الجديدة والتي بالطبع تشير إلى عكس ذلك، والآراء التي أوردتها كاتبة الموضوع على لسان خبراء تميل بالطبع إلى التشكيك في المشروع والغايات السياسية من ورائه، إلا أن كفة الموضوع مالت وبشدة إلى العاصمة الجديدة باعتبارها أداة سياسية لا تهدف إلا إلى توطيد حكم الرئيس السيسي فقط لا غير.

وكل ما ذكره مسؤولون عن العاصمة الجديدة سواء من حيث التخطيط أو عملية انتقال الهيئات والوزارات أو تمويل وإقراض الموظفين لشراء بيوت أو تخفيف الحمل عن القاهرة التي باتت داء بلا دواء، فجميعها بحسب توجهات المقال سيئة أو مكتوب عليها الفشل أو مقدر لها العطب. لماذا؟ بحسب المقال أيضًا، لأن المدن الجديدة السابقة كلها فشلت؟!! ولأنه كان الأجدر أن تخصص أموال تشييد العاصمة الجديدة لعلاج القاهرة التي "عطنت" أو "تعفنت"!! والنقطة الوحيدة التي يمكن لمن يحكم العقل وينأى بنفسه عن التسييس واتخاذ مواقف مسبقة هي ما جاء على لسان أحد الخبراء في المقال عن أن بناء العاصمة الجديدة لم يخضع لحوار مجتمعي قبل البدء في المشروع.

ما جاء في الـ"فايناشيال تايمز" نموذج فقط لا غير. وفي المقابل لدينا ترسانات إعلامية مصرية لا تمنحنا أيضًا إلا توجهًا واحدًا وانحيازًا صارخًا ورأيًا لا ثاني له، ولكن على طرف النقيض الآخر، وكلاهما ضار. فنحن نكلم أنفسنا ونعتقد أن الصوت الواحد والرأي الواحد والتوجه الواحد اصطفاف وطني وتناغم شعبي، لكنه ليس كذلك. بل إنه يدخلنا في غياهب الاعتقاد بأن العالم يرانا هكذا، في حين أن العالم يتحدث حديثًا مغايرًا، ويعرض رؤى مسيسة أيضًا ولكن ترتدي رداء المهنية والتعددية والديمقراطية.

مراسل وسائل الإعلام الأجنبية المسيس هو نفسه الإعلامي المحلي "المصطف وطنيًا" (سواء لقناعة شخصية أو إتباعًا لتوجهات مملاة عليه) ولكن بشكل مختلف. أما الضحية التي تدفع الثمن فهي المواطن المصري. فلا هو يعرف ما يقال باسمه تحت راية المهنية هناك، ولا هو يعي أن "الاصطفاف الوطني" يخنقه هنا.

إعلان