لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

خبيرٌ في اليد

خبيرٌ في اليد

أمينة خيري
09:00 م الإثنين 11 ديسمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

الأخبار العالمية الأكثر نشرًا وتداولاً عن مصر اليوم ليست ما قاله الإعلامي عمرو أديب في برنامجه ليلة أمس. ولم تتطرق من قريب أو بعيد إلى ما قاله "الثوريون" لـ"السيساويين" عن انبطاحهم وانصياعهم وراء "نظام يؤسس لمزيد من عسكرة الدولة". كما لم ينظر فيما رد به "أنصار الاستقرار" على حساب العيشة ومن يعيشونها اقتصاديًا واجتماعيًا من أن مصر في حال أفضل بكثير من سوريا والعراق واليمن وليبيا.

ولم تجد وسائل الإعلام العالمية المهمة ما يستحق البث أو الكتابة أو التنويه عن اللطامين والبكائين عن أن المصريين يتضورون جوعًا ويتدحرجون عوزًا، أو عن المتغزلين والمبهورين بعلامات الرفاه وأمارات الانتعاش، حيث المراكز التجارية مزدحمة، وعروض السوبرماركت تنفد قبل انتهاء الإعلان عنها.

بل إن الأخبار العالمية لم ترَ أصلاً أن وفدًا نيابيًا سافر فرنسا للتحضير لزيارة رئيس مجلس النواب للبرلمان الأوروبي، أو تلتفت لأحدث المستجدات في ترشح/ عدم ترشح، احتجاز /عدم احتجاز، ظهور/ اختفاء، بزوغ/ خفوت نجم الفريق شفيق. الجميع، حتى بعد ظهر اليوم، نشر وبث وأعاد وزاد عن الشخصية "ذات المكانة" التي تم كشف النقاب عنها في مدينة الأقصر.

اكتب كلمة "مصر" بالإنجليزية على "جوجل" وانقر خانة "الأخبار"! ستجد أن الغالبية المطلقة من الصحف والمجلات ومواقع المحطات التليفزيونية والإذاعية، الغربية والشرقية الكبرى، لا تتحدث إلا عن المومياء الملفوفة بالكتان ويديها على الصدر لشخصية فرعونية يُرجَّح أن تكون لشخص ذي مكانة كبرى. وأوردت الأخبار كذلك العثور على مجموعة من المقتنيات مع المومياء "المهمة"، عبارة عن تماثيل صغيرة وأقنعة خشبية وصور جدارية ذات ألوان زاهية. أغلب هذه الصحف والمحطات والمواقع نشر مقاطع فيديو وصورًا فوتوغرافية للكشف "التاريخي" و"المهم" في الأقصر، واستفاضت في شرح محتويات الكشف، واستضافت "المحلل الفرعوني" للحديث عما إذا كانت المومياء لشخص يُدعى "جحوتي مس" المنقوش على أحد الجدران، أم لكاتب يُدعى "ماعت" نقش اسمه واسم زوجته "ميحي" على عدد من الأختام الجنائزية في المقبرة.

ملايين المشاهدات والـ"لايك" والـ"شير" والتعليقات، ومنها مع الأسى مع الألم من اقترح (ولو على سبيل السخرية) أن يتم نقل المقتنيات إلى "أحد المتاحف القادرة على الحفاظ عليها، بدلاً من أن تغمرها مياه الصرف الصحي، أو يتم تهشيمها أثناء النقل، أو يسرقها سارق دون أن يتنبه أحد!".

أحد المبكيات المضحكات في مصر هو أن هذه القوة الهادرة التي ينبئنا الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أنها عدت حاجز الـ104 ملايين نسمة، لا ترى في هذه الأخبار أهمية أو قيمة. هي مجرد أحجار كغيرها من ملايين الأحجار التي يحفر عليها "البرنس أحمد" قلبه معانقًا قلب شيماء، أو تلك التي تتسلقها مجموعة الصبية الهاربة من المدرسة بأحذيتهم، ولا مانع أبدًا من أن يحشروا أكياس الشيبس وعلب العصير الفارغة في أحشائها، أو هذه التي أفادنا المتحدث باسم الدعوة السلفية قبل خمس سنوات، السيد عبدالمنعم الشحات، بأنها حضارة (الفرعونية) "عفنة" وأن تماثيلها العارية "كفر". حتى أولئك الذين لا يحفرون أو يشوهون أو يكفرون آثار هذه الحضارة، فهم لا يقدّرون قيمتها أو معناها أو مكانتها. هم يعتبرونها تحصيل حاصل.

والحاصل على أرض الواقع يشير إلى أن آثارنا الفرعونية دائمًا تجد لنفسها مكانة الصدارة في قائمة اهتمام العالم عبر الصحف والمواقع والقنوات التي تفرغت للدق على رأس مصر سياسيًا على مدار السنوات السبع الماضية، منصّبة نفسها متحدثة باسم جماعات دينية تارة، وسامحة لكتّابها بإطلاق أحكامهم الأخلاقية والحقوقية على مجريات الأمور لدينا، ومكيلة الأمر بمكيالين، أحدهما بسيط خفيف يمر مرور الكرام، إن تعلق بدولة ذات ثقل نفطي، أو لها من الاستثمارات لديهم باع وباعان، والآخر ثقيل غليظ إن تعلق الأمر بنا.

هل يعني ذلك شيئًا أو يدلل على مشكلة لدينا أو يدفعنا لإعادة النظر في مكونات الهبد اليومي وتفاصيل الرزع الليلي؟ أم يجدر بنا التفرغ لما صرَّحت به شيما، صاحبة "عندي ظروف"، وما صدر عن الضيف الذي رشق الضيف الآخر بحذائه، وما كتبه مؤيدو الرئيس السيسي على فيسبوك، وما غرّد به معارضوه على "تويتر"؟ هل آن أوان ضم "المحلل الفرعوني" لقائمة تخصصات معمل التحليل الذي فتح أبوابه في كل وسائل إعلامنا، أم نكتفي بما لدينا من جيوش التحليل الاستراتيجي والأمني وحركات الإسلام السياسي؟! وللعلم أحيانًا يكون خبير فرعوني في اليد خيرًا من عشرة استراتيجيين على الشجرة.

إعلان