إعلان

القدس قضية عربية وليست إسلامية

القدس قضية عربية وليست إسلامية

عادل نعمان
09:00 م الإثنين 11 ديسمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لم يدفع شعب من الشعوب العربية في قضية من القضايا كما دفع الشعب المصري في القضية الفلسطينية، وما قدَّم شعب من الشعوب العربية أولاده فداء لقضية عربية كما قدّمت مصر من فلذات أكبادها. وما عانت دولة عربية في تاريخها كما عانت مصر من صراعات العرب والعروبة وقضاياهم، وما كان جزاؤها أقل من جزاء سنمار، وما كسبت جماعة في محنتها كما كسبت القيادات الفلسطينية ومنظّروها ومجاهدوها من عام المحنة وحتى الآن، وراجعوا ثروات المناضلين والمجاهدين في بنوك وشركات العالم.

هذه مقدمة لابد منها حتى يخرس ويلوي لسانه في فمه، كل من يزايد على مصر وعلى جيشها ويتهمها ببيع القضية الفلسطينية، ولنرجع إلى التاريخ، ونعرف من الذي باع، ومن الذي اشترى، ومن دفع ثمنًا باهظًا في بضاعة فاسدة، ومن جنى من غير جهد، ومن قبض وترك الأرض وهرب، كل هذا معروف ومعلوم.

القدس قضية لا توضع إلا في إطارها التاريخي فقط، وإطارها حق شعب مغتصَب وأرض مغتصبة ويكفى، ومن مصلحة القضية ألا تتعداه أو تتجاوزه، وألا يضعها أصحابها في إطارها الديني، فتضيع، ويناصبها العالم العناد والعداء، فهي ليست قضية المسلمين، يحشدون فيها حشدًا إلى صراع ديني، تتوارثه الأجيال جيلاً بعد جيل، وتتسلم رايته الأحياء من الأموات، حيًا بعد ميت. فليس التاريخ محمولاً كله على الكره والبغضاء، أو المحبة والسلام، يبدأ بأيهما وينتهى بها، أو يبدأ على نحو ولا يميل إلى آخر، مهما تبدَّلت الأحوال والظروف، فليس من الحكمة أن نحمل الدنيا على حمل واحد، وأن نرفعها على كواهل الناس دون إنزال أو تخفيف، لكنها تحمل على الكره حينًا، وتحمل على السلام حينا آخر، فلا نكره إلا إذا كان الكره أمرًا مقضيًا، ومن مال وحاد عن الحق، واغتصب أرضًا أو حقًا، وأضحى وأمسى الكره قائمًا مادام الحق مهضومًا ومستلبًا.

وليس للدين دخل في هذا الأمر، وليس سندًا لملكية إذا ما نشأ ونبت في أرض، فالأديان لا أرض لها ولا ملكية لها، فهي على طول العالم وعرضه تتشارك مع الأديان الأخرى في أرض الله، ومقدساته على أرض الله يملكها ويحكمها من عباده من يشاء، ولا يختص دين بأرض عن دين آخر، وإلا قسمنا الأرض بين الأديان، فأرض الله واسعة تتمدد فيها الأديان على حريتها وكما شاءت إرادتها وارتاحت.

فإذا كان مطلبنا بالأقصى حقًا دينيًا، فالمدينة المنورة كانت لليهود وللنصارى كما كانت للمهاجرين والأنصار، فهل لليهود الحق في العودة إلى أرض الأجداد بعد إجلائهم عنها ونزع ملكيتهم؟

ولو راجعنا تاريخ دور العبادة، لنعيدها سيرتها الأولى، لبدلنا من الكنائس والمعابد والمساجد إلى دور غير الدور، وبدلنا العبادة غير العبادة، والصلاة غير الصلاة، فلا تفتحوا بابًا يؤخذ الرأي عليه ويرد، ولا يؤخذ منه، وأغلقوه، فلن يأتي بحق ولن يردّ ظلمًا.

هذا حق تاريخي مغتصَب، وليس حقًا دينيًا مغتصبًا، ليس أكثر ولا أقل، وعلى صاحب الأرض المغتصَبة أن يقرر، إما المقاومة أو المفاوضة، وعلينا تقديم المساعدة فيما رأى وقرر، ولا نحملها عنه بأكثر مما يحمل صاحبها، ولا ندفع فيها أكثر مما يدفع الشركاء، ولا نقدم أبناءنا إلى نار حرب مستعرة، وأبناؤهم ينعمون برغد العيش في بلاد يحلم أولادنا بالعيش فيها .

هؤلاء قوم قد برعوا في عشرات السنين أن جعلوا القضية قضيتنا، والهمّ همّنا، والحزن حزننا، والمصيبة مصيبتنا، وإن حملها ووزرها يقع على أكتافنا، وإن العروبة فقط هي همّنا وشاغلنا دون غيرنا، وأننا الأم الكبيرة والأخت الكبيرة، قدَرها رعونة الأبناء وجهل الأحفاد وغطرسة السفهاء وفراغة عين الصغار والكبار، علمونا في المدارس منذ نعومة أظافرنا أن نسنّها، فإذا ما كبرنا غرزناها في رقاب عدوّنا، ونجهّز السلاح والعتاد لحرب قادمة تطول بطول أعمارنا، ونربط على بطوننا ونجوع ونمرض لنقدم واجب العروبة لغيرنا، ونتعلم في مدارسنا كيف نكتب قصائد البطولات العربية، وكيف نمتطي الأحصنة الخشبية، حتى جاءتنا النكسة على كرسي متحرك، فما وجدنا أمة عربية، ولا نضالًا عربيًا، ولا بطولة عربية، بل الزيف العربي، وقصيدة حب لمصر تُتلى على مسامعنا في المصائب والعسر، وتغيب في النعمة واليسر، فما شفعت لنا بطولتنا، وما غفرت لنا عند أولادنا حين عجزنا وقصرنا، وما تجاوزنا حتى الآن مشاكلنا وفقرنا واحتياجنا.

أيا أيها البطل العربي المغوار في قصائدك البالية القديمة، رفقًا بنا، وتقدّم نتبعك، وافتح الأبواب للمجاهدين في بلادنا العربية، الذين يجاهدون الأطفال والنساء، ويقتلون العزل من الرجال، هذه هي معركة الكرامة والنضال، تقدَّموا، وإنا ها هنا منتظرون نصركم المبين!

إعلان

إعلان

إعلان