- إختر إسم الكاتب
- محمد مكاوي
- علاء الغطريفي
- كريم رمزي
- بسمة السباعي
- مجدي الجلاد
- د. جمال عبد الجواد
- محمد جاد
- د. هشام عطية عبد المقصود
- ميلاد زكريا
- فريد إدوار
- د. أحمد عبدالعال عمر
- د. إيمان رجب
- أمينة خيري
- أحمد الشمسي
- د. عبد الهادى محمد عبد الهادى
- أشرف جهاد
- ياسر الزيات
- كريم سعيد
- محمد مهدي حسين
- محمد جمعة
- أحمد جبريل
- د. عبد المنعم المشاط
- عبد الرحمن شلبي
- د. سعيد اللاوندى
- بهاء حجازي
- د. ياسر ثابت
- د. عمار علي حسن
- عصام بدوى
- عادل نعمان
- علاء المطيري
- د. عبد الخالق فاروق
- خيري حسن
- مجدي الحفناوي
- د. براءة جاسم
- عصام فاروق
- د. غادة موسى
- أحمد عبدالرؤوف
- د. أمل الجمل
- خليل العوامي
- د. إبراهيم مجدي
- عبدالله حسن
- محمد الصباغ
- د. معتز بالله عبد الفتاح
- محمد كمال
- حسام زايد
- محمود الورداني
- أحمد الجزار
- د. سامر يوسف
- محمد سمير فريد
- لميس الحديدي
- حسين عبد القادر
- د.محمد فتحي
- ريهام فؤاد الحداد
- د. طارق عباس
- جمال طه
- د.سامي عبد العزيز
- إيناس عثمان
- د. صباح الحكيم
- أحمد الشيخ *
- محمد حنفي نصر
- أحمد الشيخ
- ضياء مصطفى
- عبدالله حسن
- د. محمد عبد الباسط عيد
- بشير حسن
- سارة فوزي
- عمرو المنير
- سامية عايش
- د. إياد حرفوش
- أسامة عبد الفتاح
- نبيل عمر
- مديحة عاشور
- محمد مصطفى
- د. هاني نسيره
- تامر المهدي
- إبراهيم علي
- أسامة عبد الفتاح
- محمود رضوان
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
وصلت في ساعة مبكرة، من صباح يوم خريفي هادئ من عام 2012 إلى حي مصر الجديدة، شرق القاهرة.
ترجّـلت من شارع إلى آخر حتى وصلت إلى العمارة التي يسكن بها الإعلامي الكبير حمدي قنديل- ولد في عام 1936- وزوجته الفنانة القديرة نجلاء فتحي، أمام رجل الأمن الذي كان يقرأ صحيفة الصباح وفي يده كوبٌ من الشاي وقفت، سألني بعدما تفحّصني بعينيه جيداً، وقال: هل هناك موعد سابق مع الأستاذ؟ قلت: نعم، غاب عني قليلاً وأجرى مكالمة هاتفية، ليعود بعدها يصحبني حتى باب الأسانسير وهو يقول: اتفضل، الأستاذ في انتظارك. بعد ثوانٍ وجدت نفسي أمام باب الشقة.. ضغطت على جرس الباب مرة.. اثنتين، وفي المرة الثالثة سمعت صوت حركة خلف الباب، وبعد ثوانٍ انفتح الباب قليلاً، إنها الفنانة القديرة نجلاء فتحي بنفسها هي التي تستقبلني.. قالت بصوتها المميز وابتسامتها التي لم يهزمها الزمن: اتفضل يا أستاذ.. ثم صحبتني إلى صالة الاستقبال، وقالت: الأستاذ حمدي سيكون معك بعد دقائق.
سألتني عن قهوتي الصباحية، فقلت: مظبوط يا هانم، ثم غابت عني بعد أن استأذَنت في الانصراف. بعد دقائق سمعت صوت الأستاذ. من بعيد يلقي عليّ تحية الصباح وهو يضحك ويقول: مواعيدك مظبوطة، وهذا شيء جيد. قلت: ليست هذه عادتي يا أستاذ: جلس وهو يضحك على مقعده، الذي يبدو أنه لا يغيره كثيراً، وأشعل سيجارة ودار بيننا حديث شامل وكامل عن أحوال البلد، خاصة أن ثورة 25 يناير كانت أصواتها العالية مازالت تحدث دويّـاً في الفضاء السياسي على فترات متقطعة من ميدان التحرير، وكان هو من المؤمنين- على الأقل في بدايتها- بأنها ثورة ستغير وجه التاريخ في مصر والوطن العربي.
فلقد ظل سنوات طويلة يكافح بقلمه وحروفه وصوته من خلال برامجه التي قدمها للجماهير المصرية والعربية، بمهنية، وموضوعية، وصدق، وبطابع إعلامي، ومضمون ثقافي، غير قابل للتلوين السياسي أو التطبيع السلطوي أو التطبيل لحاكم على حساب محكوم، ولا لزعيم على حساب وطن، فهو يؤمن بالعدالة الاجتماعية، وبالقومية العربية، وبالوحدة، وبأن الشعوب يجب أن تعيش تحت راية العزة والكرامة. كان هذا معتقده، وقناعاته، وإيمانه الراسخ الذي لم يتزحزح.
وقتها دار الحديث بيننا وامتد الوقت بنا، وتطرق الحديث إلى "25 يناير" ومستقبلها المنتظر على حافة التاريخ القريب. وعندما سألته عن ذلك التاريخ، سكت قليلاً وألقي ببصره إلى الشارع الذي نراه من خلف زجاج شقته وقال: المستقبل ضباب، والصورة غير واضحة، والأمور متشابكة ومعقدة، والثورة خرجت من الميدان بعد ساعات من اندلاعها، ولا أظن أنها ستعود مرة أخرى، ثم أشعل سيجارة جديدة ووضع ساقاً فوق أخري، وقال: بعد أيام من الثورة جاء هنا وجلس مكانك شباب من شباب الثورة، كانوا يتحدثون وأنا أستمع، ثم يحتسون معي القهوة والشاي ثم أودعهم حتي باب الأسانسير، وأعود أجلس وأقيّم كلامهم وأفكارهم وسير الأحداث واتجاهاتها.
بعد عدة لقاءات أدركت أنه يتم (خنق) الثورة بأيدي هؤلاء الشباب عن طريق التدليل المتعمد، والتضليل المكثف، وتسليط الأضواء الكاشفة عليهم، بقصد تفكيك وتسييل معنى ومضمون وهدف الثورة، وهذا ما حدث بالفعل! قلت: ومن كان وراء ذلك؟ سكت قليلاً، حيث كانت النجمة نجلاء فتحي قد عادت إلينا مرة أخرى وشعر أنها تريد منه شيئاً ما. اعتذرت عن المقاطعة، فتوقفنا عن الكلام حتى انتهت هي. قالت له وهي تبتسم: أستأذنك يا حمدي أضع يدي في حافظة نقودك، حتي أعطي للشغالة نقوداً لشراء بعض مستلزمات البيت. هز رأسه وهو يبتسم في إشارة منه (طبعاً.. اتفضلي)، أما أنا فأمسكت بفنجان قهوتي الذي أمامي وأنا في حالة دهشة من هذا الرقي في التعامل بين زوجة وزوجها، الأمر الذي جعلني أسأل بيني وبين نفسي: ماذا لو تعاملت الزوجة المصرية والعربية بهذا الرقي الذي تتعامل به نجلاء فتحي مع حمدي قنديل؟ أظن أن هذا لو حدث ما كنا رأينا كل هذا الكم من القضايا في محكمة الأسرة، ولا كنا وصلنا إلى هذا الكم البشع من حالات الطلاق في المجتمع المصري
فرغت من فنجان قهوتي، وعدت من دهشتي إلى الأستاذ حتى أعرف منه الإجابة عن السؤال الذي كنت قد طرحته عليه قبل قليل. قال: تسألني من كان وراء تفكيك الثورة عن طريق إفساد بعض شبابها؟ قلت: نعم. قال: الغرض كان إفساد الثورة نفسها، وهذا تحالفت عليه أطراف دولية وإقليمية ومحلية، وأعتقد أنهم سينجحون فيما يهدفون إليه. هززت رأسي ونظرت في ساعة الحائط المواجهة لي والتي تعدت الساعة الثانية ظهراً، واستأذنت في الانصراف، أما هو فمد يده وأشعل سيجارة جديدة، ينفث من خلالها دخانه الأزرق الذي كان يتطاير حولنا منذ أن جلسنا، وأمسك بيده صحف الصباح التي كانت أمامه. وقبل أن أودعه سألته: لماذا يا أستاذ استبدلت اسم برنامجك الشهير "رئيس التحرير" باسم "قلم رصاص"؟ قال وملامح الأسى والحزن تظهر على وجهه: لأنه لا شيء يُنجز في الوطن العربي، سوى بالقلم الرصاص.
ودّعته على باب الأسانسير، وفي مدخل العمارة وجدت عامل الأمن يجلس على كرسيه، ويلقي برأسه للخلف قليلاً وعيناه مفتوحتان بصعوبة، لأنهما- فيما يبدو- تقعان ضحية لهجوم شرس من النعاس عليهما، وهو يحاول المقاومة بضعف واضح، وبجواره الصحيفة التي كان يتصفّحُها عندما رأيته أول مرة تعاني الإهمال والتجاهل.
أشرت له بيدي أودعه، فلم يتحرك له ساكن، غير أنه هزَّ رأسه حتى أعرف أنه مازال منتبهاً، ابتسمت وتركته، واتخذت طريقي للشارع عائداً من حيث جئت، أمشي في شوارع مصر الجديدة، وسط الضجيج، وأصوات السيارات، ووجوه الناس العابسة، والمضطربة، والخائفة من شيء ما لا تعرفه، ولا أنا أعرفه. لكن الذي شغلني وسيطر على تفكيري في تلك اللحظة هو حالة الرقي في التعامل الزوجي التي لمحتها ما بين النجمة نجلاء فتحي وزوجها حمدي قنديل. أما ما يحدث وسوف يحدث للثورة، وما يحدث وسوف يحدث للوطن العربي فلم يشغلني كثيراً، سواء كان ذلك بـ"قلم رصاص" أو بـ"قلم حبر".
إعلان