لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

صلاح الخير يا مصر!

صلاح الخير يا مصر!

أمينة خيري
09:00 م الإثنين 09 أكتوبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ليس لي في ثور الكرة ولا طحينها. ولم أفهم يومًا الغرض من أن يظل 22 شابًا ورجلًا يركضون وراء كرة طيلة 90 دقيقة، ولكن لم يحدث أن انتابني قلق أو تملك مني توتر أو تمنيت أن يفوز المنتخب المصري كما جرى ليل الأحد.

وطيلة نهار الأحد وقبلها بأيام امتلأت الأجواء بخليط المشاعر وتوليفة العواطف التي يسميها البعض "وطنية" على استحياء، ويطلق عليها البعض الآخر "انتماء" رغم المشكلات والمعضلات، وتركتْها غير مُعرَفة بعبقرية بالغة الأخت ريهام عبد الحكيم (عبر قلم أيمن بهجت قمر) حين قالت: "فيها حاجة حلوة". ولأن هذه "الحاجة" تظل عصية على التفسير صعبة على التوصيف غير خاضعة للتفنيط، فقد قررت أن ألخص مشاهداتي غير الكروية في هذه المناسبة الكروية.

كروية شوارع القاهرة يوم الأحد وعودة الأعلام غير المسيسة منزوعة الأدلجة إليها بعد طول غياب أسعد الغالبية. والتيقن نفسه من هذا الاصطفاف (ولو كان وراء منتخب رياضي) أضاء شمعة صغيرة في قلوب أنهكها الاستقطاب وطلع عينها الاستفزاز وأتعبها الاستحمار (مع الاعتذار للحمار). وفيما يلي مشاهدات اجتماعية أقل ما يُمكن أن توصف به هو إنها بالغة الأهمية ونقطة انطلاق لمن أراد إن أراد لإصلاح نفوس شعب بأكمله.

الأمهات اللاتي اصطحبن أبناءهن الصغار وجازفن بالتوجه إلى الحدائق والتجمعات العامة لمشاهدة المباراة رغم ما يحمله ذلك من احتماليات انتهاز أهل الشر بفئاتهم الفرصة لبث الرعب والمضي قدمًا على طريق الخسة والوضاعة المعتادتين منهما فخر مصر دائمًا وأبدًا.

ملايين المصريين تحدوا عملية "الصب" الاقتصادي الدائرة رحاها بين خميس وآخر فاشتروا الأعلام وأنفقوا شيء وشويات في المقاهي بدرجاتها من أجل التشجيع الشعبي الوطني من جهة، وبحثًا عن فرحة تائهة وبهجة خرجت ولم تعد.

وتحت هذه الأخيرة نضع خطوطًا كثيرة. المصريون مكتئبون تعيسون. صحيح أن الإجراءات الاقتصادية، هذا العلقم المر، ضرب الجميع، لكنه ليس السبب الوحيد. فعلى الرغم من المشروعات الكبرى الجاري تنفيذها والإصلاحات العظمى الدائر افتتاحها، تفتقد الغالبية القدرة على رؤية ضوء – أي ضوء- في نهاية النفق المظلم. ومع مظاهر التحلل السلوكي والانهيار الأخلاقي المحتمين خلق عباءة دينية يشعر كثيرون أن الحياة في مصر معاناة نفسية وعصبية رهيبة. ولا يخفف منها ملمح حملة لفرض الانضباط في الشارع مثلًا، أو صحوة لتوعية المواطنين بحتمية الضمير والنظافة والتخلي عن ثقافة "حلق حوش" و"أنا وبس" الدائرة رحاها دون هوادة.

وبالنظر إلى استاد برج العرب والقدرة الأمنية على التأمين والسيطرة رغم هذا العدد الغفير من المشجعين والمشجعات نستنتج أن القدرة على الضبط والربط موجودة لكنها معطلة أو مؤجلة أو غير مفعلة لأسباب لا يعلمها إلا الله وأصحاب القدرة على الضبط والربط أنفسهم.
كما أن التدقيق في الجماهير الغفيرة أعاد الثقة إلى أن المواطن المصري الذي نجا من براثن "الأسطورة" محمد رمضان و"اللنبي" محمد سعد و"مهرجانات" أوكا وأورتيجا ما زال على قيد الحياة.

أما الإخوان وأبناء عمومهم والكارهون لمصر فيعافرون من أجل البقاء على قيد الحياة. ولعل ما يقومون به هذه الآونة من هبد ورزع، وتحبيط وتكئيب، بل وشتم وسب لجموع المصريين المبتهجين الفرحين بـ"مباراة" كرة قدم، والناسون الساهون عن "أول رئيس منتخب أتت به الصناديق" شرح مبسط لتركيبتهم النفسية وأولوياتهم المعيشية حيث لا وطن ولا يحزنون، فقط هم يحزنون من أجل الجماعة والمرشد أو ما ينوب عنهما.

فئة أخرى ممن أدمنوا النواح واعتادوا الندب ولم يعد يعرفوا في حياتهم سوى التنكيد على المصريين المنعوتين من قبلهم بـ"من أدمنوا الهوان" و"قبلوا الاستسلام" و"خنعوا للاستهوان" تطالبهم الملايين هذه الأيام بأن يهدأوا قليلًا ويستريحوا هنيهة ويعطونا برهة قليلة نفرح ثم يعاودوا النشاط! وصلاح الخير على الجميع!

إعلان