لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

وجهة نظر: صهيونية لا إرادية!

وجهة نظر: صهيونية لا إرادية!

03:11 م الأحد 24 أبريل 2016

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - محمد أحمد فؤاد:
لا عجب إن ظهور الصهيونية على مرشح التاريخ تزامن بصورة مدهشة مع تحول فكر الرأسمالية المعتمد على المزاحمة الاقتصادية الحرة إلى إمبريالية استغلالية تخدم فقط المصالح الاستعمارية.. وقد جاء هذا الظهور مع بزوغ تلك الفكرة كواجهة للأيديولوجية البرجوازية اليهودية مع أواخر القرن التاسع عشر.

والصهيونية المعاصرة ببساطة تعد رمزاً جلياً للتعصب العنصري والشوفينية العرقية التي ترتكز على أكذوبة أسطورية صنعها أصحابها، وهي تقول بأن هناك أمة وشعب يهودي خاص مركزه دولة تُدعى إسرائيل! لكن الثابت أن اليهود تاريخياً عاشوا كجزء من شعوب وأمم، ولم يكن لهم حضور كدولة أو مملكة إلا لفترات قصيرة لا تكفي لإكسابهم أحقية في أي أرض، أو حتى مجرد لقب "الشعب الأزلي المختار"!

ارتبط صعود الحركة الصهيونية رسمياً بانعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل بسويسرا عام 1897، وربما كان السماح لهذا المؤتمر بالخروج للحياة هو تدبير استعماري ظهرت نتائجه لاحقاً، لتصب في مصلحة المستفيدين الأوائل من جراء خروج اليهود من جسد أوروبا المسيحية بأقل خسائر، بل إن صح التعبير، بمكاسب مستقبلية مغرية.

مع حدوث متغيرات هامة على ساحة السياسة الدولية، حيث كانت كبريات الدول الاستعمارية تتصارع على مناطق النفوذ، ومن أجل السيطرة على مصادر الخامات، وتحديد أسواق التصريف، نضجت تماماً فكرة إعادة تقاسم عالم كان مقسماً بالفعل، وظهرت قوى جديدة على الساحة تعتنق نظريات السلام الطبقي كالولايات المتحدة الأمريكية، ومن رحم توجهاتها الاستعمارية الناعمة بدأت حركات سياسية وراديكالية كالصهيونية في الظهور، وكان مفتاح استمرارية تلك الحركات وحصولها على الدعم اللازم هو النجاح في إثارة الانشقاقات في صفوف الطبقات العاملة داخل مناطق النفوذ، فبالتالي تتراجع على إثرها الانتاجية الصناعية، ومن ثم تتحول شعوبها من الاهتمام بالتنمية الذاتية المستدامة إلى الاعتماد الكلي على استنساخ نجاحات الغرب بصرف النظر عن ملائمة هذا للأحوال المعيشية لديها من عدمه، ومن هنا ومع ظهور الوفر المالي في بدايات القرن العشرين بفعل اكتشاف النفط، أصيبت منطقتنا العربية بلعنة التبعية الاقتصادية، وتقمصتنا حالة من الشراهة الاستهلاكية المفرطة، تلك التي أظنها صارت بلا حدود.

لكي ينجح مجتمع ما، لابد له من وجود منظومة إدارية مُحكمة، ورؤية ثابتة تعفيه من أي تبعية أو اعتماد على الغير، إلا ما قد يأتي في شكل تكامل أو تبادل منفعة على غرار ما يحدث في الكثير من دول العالم التي تتمتع بحدود مشتركة تسمح بذلك.. هذا الأمر لم يتوفر حتى كتابة تلك السطور لدولة الاحتلال الصهيوني، حيث لم يجاورها إلا دول طالما انخرطت معها في حروب وصراعات متعددة الأنماط.. وبعد معاهدة السلام التي تم توقيعها على عكس رغبة الأغلبية من صقور الفكر الصهيوني المتطرف داخل دولة الاحتلال، بدأت الحكومات المتعاقبة هناك في نسج شبكات عنكبوتية تهدف في المقام الأول لتحييد القدر الأكبر من التوجهات التي تنادي بسقوط إسرائيل وحصارها ثقافياً واقتصادياً، وأيضاً لاستثمار الضعف العربي العام الذي جاء على إثر سطوع ثقافة البترودولار وما تلاها من رفاهية مفرطة حولت الحكام إلى أباطرة متشبثون بالعروش، وليسوا صناع حضارات راسخة تهدف لمستقبل أفضل..!

دولة الاحتلال دائماً ما تقدم خدمات مدفوعة الأجر لقوى الاستعمار بنسب وحسابات دقيقة تحكمها توازنات استراتيجية ثابتة أو متغيرة، وفي المقابل هي تنتزع منهم اعترافات متكررة بأحقيتها في البقاء، ودائماً ما تلوح ببطاقة معاداة السامية في وجه من لا يغض الطرف عن أي جرائم عرقية أو عنصرية تمارس داخلها تجاه غير اليهود أو اليهود من أصول متدنية حسب التصنيف التلمودي العنصري.. وحيث أنها دولة فقيرة من حيث الحدود والموارد والتعداد السكاني، فهي تعتمد سياسة "دع كل التيارات تعمل"، وفي هذا كان للبحث العلمي والتفوق التعليمي والاهتمام بتطوير الصناعة النصيب الأكبر من الاهتمام، بالطبع لرفع مستوى المعيشة، وتفادي الانخراط في صراعات داخلية قد تأتي كنتاج للفقر أو الجهل أو كبت الحريات على شاكلة ما يحدث في بعض دول الجوار..
في الماضي كان مصطلح صهيوني يُطلق على كل من يخدم، أو يتبنى فكرة نقل اليهود إلى أرض الميعاد حسب المعتقد التوراتي المغلوط لديهم شرعاً، فسمعنا عن صهيونية فرنسية إبان حكم بونابارت، وصهيونية إنجليزية ، وصهيونية عثمانية، وصهيونية قيصرية في روسيا وجاليسيا.. واليوم أظننا بصدد ظهور نمط جديد هو الصهيونية العربية..! لا أدري لماذا تعاظمت فجأة تحركات على الساحة العربية توحي بتقديم خدمات مجانية غير مسبوقة لدولة الاحتلال، ودون أن يتكبد حكماء العرب مجرد عناء التفكير في أبعادها المستقبلية التي قد تكون كارثية على المدى البعيد..؟

إن فكرة التخلي، أو حتى مجرد ادخال تعديلات جيوسياسية على ميزات استراتيجية منحتها الطبيعة لدول المواجهة مع العدو الإسرائيلي كالحدود الجنوبية لشبه جزيرة سيناء في مصر، ومحيط خليج العقبة، وهضبة الجولان وسهل البقاع في العمق اللبناني السوري، وسهل الأردن سيعصف حتماً بأحقية الأجيال القادمة في ميراث شرعي لا يجب العبث به تحت أي مسمى؛ فإسرائيل بوضعها الحالي جغرافياً تظل دويلة رخوة يسهل تطويقها.. لهذا نجد أن أمنها دائماً ما ارتبط إما بالغليان على الحدود، أو بإخضاع بعض تلك الحدود لمؤامرات تضمن تقليص فاتورة التدابير الأمنية لديها.

في ضوء ما سبق.. أتساءل لماذا يتم الأن وبهدوء شديد محاولة تمرير اتفاقية ترسيم حدود تنزع عن مصر أقوى دول المواجهة بطاقة التحكم المصيري في خليج العقبة الرئة الجنوبية الهامة لإسرائيل؟ وفي المقابل نجد مجلس وزراء دولة الاحتلال يعقد اجتماعه الأخير في 17 أبريل الماضي على هضبة الجولان الرئة الشمالية الأهم، ليؤكد بعدها السفاح نتانياهو أن انسحاب إسرائيل من الجولان أمر غير وارد على الإطلاق، مبرراً ذلك بخطورة استفحال تغلغل ميليشيات المرتزقة مدفوعة الأجر من بعض مشايخ النفط الخليجي هناك..!

ليس هذا فقط، ولكن سنجد ملامح أخرى مريبة تلوح في الأفق، مثل مساعي المصالحة بين مصر وتركيا برعاية سعودية، وهي مساعي ليست مجانية بالطبع؛ فالسعودية الراعي الرسمي لتلك لمصالحة تسعى بدأب وسرية تامة لتحييد تركيا ومصر عن أي تعاون مستقبلي مع عدوها اللدود إيران، فالصراع المذهبي مازال على أشده بين الدولتين، وكلاههما يملك قدرات على المراوغة تفوق قدراته على المواجهة المباشرة.. لهذا يظهر مشروع تحالف الطاقة الإقليمي شرق المتوسط القائم حالياً بين اليونان وقبرص وإسرائيل بمثابة الحل السحري، بالطبع إذا ما انضمت له تركيا وبعدها مصر، فهذا قد يعطل أي شراكة محتملة من الدولتين مع إيران، وليس خافياً أن هذا الخلاف ألقى بظلاله على القمة الإسلامية التي استضافتها تركيا مؤخراً ولم تحضرها مصر إلا لمراسم بروتوكولية مقتضبة، وانسحبت منها إيران على إثر لغة الخطاب السعودي الذي تعمد توجيه اتهامات وانتقادات حادة لدولة الملالي. سواء هذا أو ذاك، فالأمر حتماً لا يبتعد كثيراً عن الطموح الأمريكي المهيمن دائماً على قرارات المملكة بالرغم من الخلاف العميق غير المعلن بين الدولتين والذي تبدت بعض ملامحه مؤخراً مع زيارة أوباما الأخيرة للرياض؛ فتكوين تكتل من حلفاء يعتد بهم قد يكون بديل منطقي وحيد للاعتماد على دول منفردة حال تصاعد وتيرة المواجهات المحتملة أمام تعاظم الطموح الروسي، وأيضاً مع اقتراب القادمون من أقصى الشرق إلى الساحة..!

تحركات الملك سلمان الأخيرة بين مصر وتركيا، وما سبقها من لقاء وزير الخارجية المصري مع وزير الطاقة الإسرائيلي في واشنطن أول إبريل الماضي، والارتياح الإسرائيلي المريب للتطمينات العربية بأن الملاحة في خليج العقبة لن تتأثر بمشاريع الشراكة المزمعة بين مصر والمملكة، ثم حضور أوباما المفاجئ للسعودية وجولة كيري الاستطلاعية على هامش تلك الزيارة، التي ربما تكون الأخيرة لأوباما في الشرق الأوسط كرئيس.. ثم تمثيلية لقاء الأصدقاء الهزلية بين باراك أوباما ودافيد كاميرون في لندن، ليغسلا أيديها معاً من جريمة توريط الاتحاد الأوروبي في المواجهة التصاعدية مع روسيا، بالإضافة لإثقال كاهله بقضايا اللاجئين وما تبعها من أزمات داخلية على إثر حوادث الإرهاب الأخيرة.. كلها أمور تشي بأن جنون أجواء الحرب يجتاح ساحات عدة، وأن مشروع الشرق الأوسط التقسيمي خرج بالفعل إلى حيز التنفيذ.. بالطبع لصالح الكبار فقط..!

  ما أخشاه وأظنني محق في مخاوفي، أن القادة العرب - كل القادة ولا استثني أحداً - أصبحوا فعلياً خارج دائرة صنع القرار حتى داخل مناطق نفوذهم، وبدون شك هذا نمط غريب علينا نحن الأجيال التي تنشأت على أسس القومية العربية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.. فلم يعد هناك عبد الناصر، أو السادات أو فيصل بن عبد العزيز..  ولا حتى صدام حسين أو حافظ الأسد..!

الأمر جد خطير، والمشهد مرتبك وأراه عبثي باقتدار.. وأقل ما يوصف به أننا نمر بمرحلة صهيونية عربية لا إرادية!

إعلان