لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ويسألونك عن عمان (6).. جرعة اكتئـاب مكثفة

الكاتب أشرف أبو الخير

ويسألونك عن عمان (6).. جرعة اكتئـاب مكثفة

07:11 م السبت 23 أبريل 2016

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم – أشرف أبو الخير: 

قبل القراءة: كل المواقف التالية حدثت بالفعل، وأصحابها أشخاص عاديون جداً، ليسوا من الأثرياء أو بقايا الإقطاعيين، ليسوا من الجهلة أو ضعاف العقول، و " التناكة" ليست هي الفعل المقصود من سرد تلك الحكايات. 

مصر/ وسط البلد 2010 

سألتني صديقة تونسية ببراءة واندهاش حقيقيين: "ليه بتسموا اللي بيحصل هنا في مصر دة .. عيشة؟؟ ، دي مش عيشة يا أشرف" ثم أردفت: "مصر بلد في منتهى العظمة، عايشة ظروف في منتهى الصعوبة" 

تونس/ سيدي بوسعيد 2011 

وأثناء ركوبنا مع سائق تاكسي، في الطريق من تونس العاصمة، ملأت مديرتي الانجليزية صدرها بالهواء، معلنة أنها لم تكن لتجرؤ على هذا الفعل في القاهرة أبداً.. فهي ليست متعجلة على الذبحة الصدرية. 

ألمانيا/ برلين – 2012 

أتجاذب أطراف الحديث مع سائق التاكسي التركي بانجليزية ركيكة، فبادرني بسؤال "من أين أنت؟" .. فلما أجبته بالانجليزية و العربية والألمانية أنني من مصر ... اندهش كثيرا، فهو لم يسبق له أن سمع عن بلد بهذا الاسم .. وفي خلال دقائق كنا نمر بجوار مبنى كبير تحتل واجهته جدارية ضخمة تمثل الحقبة الفرعونية، أشرت له أنني من هنا فقال آآآآآآآه ... الهرم ، أنت من ليبيا وقطر والسعودية ولبنان (يقصد أنني عربي يعني) بمعنى أنه لا يعرف من الوطن العربي سوى تلك البلاد .. الأهم أنه لا يعرف أن مصر اسمها مصر، ولا يقيم لها وزنا!!! 

مصر/ المعادي – 2012 

تُبدي خطيبتي الأردنية (زوجتي حالياً)، إعجابها بموقع الشقة التي ستصبح بيتها بعد أسابيع قليلة، لكنها استاءت كثيراً كثيراً من فكرة أننا سنعتمد في شرب المياه على "فلتر 3 مراحل" .. وأعلنتها صريحة : " لا ياعم، يفتح الله" أنا معنديش استعداد أنضم لطابور مرضى الفشل الكلوي أو الكبدي (عافاهم الله) 

مصر/ طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي – 2013 

صديق إماراتي يعاني من خليط من الأمراض – عافاكم الله- يجبره على اتباع نظام غذائي صارم ومحدد، يصل إلى درجة أنه لا يشرب إلا مياه معدنية بها درجة معينة من معدن لا أذكره في الحقيقة، وساقته الأقدار إلى مصر لحضور ورشة عمل ما، كنا سويا نتبضع من سوبر ماركت شهير على الطريق، وظل الرجل يقرأ بشغف المكتوب على ظهر المنتجات الغذائية عساه يجد ضالته في أكل صحي يناسب حالته.. لكنه لم يجد، حتى أنه لم يجد مياها معدنية مناسبة لحالته (ولا حتى الماركة الفرنسية الشهيرة باهظة الثمن). 

إيطاليا/ روما – 2013 

عامل الشيشة المصري، يضع الفحم على شيشتي التي أتأملها بدهشة خصوصاً بعد أن عرفت سعرها.. فأسأله: هي ليه غالية كدة يا عم؟؟ ، فرد بسرعة وصرامة: غالية أحسن ما تبقى زبالة زي اللي في مصر. 

المغرب/ الدار البيضاء – 2014 

يعلن زميل عمل تعرفت إليه هناك أنه لا شئ لفت نظره في زيارتين متتاليتين للقاهرة بقدر "الفــول المــدمس" من مطعم شهير جدا، مبالغ في أسعاره جدا، يجوز لأنها الوجبة الوحيدة التي لا يأكلها في بلاده.. كما أن باقي أكلاتنا التي جربها من مختلف المطاعم، أصابته (في المرتين) بتسمم غذائي. 

لبنان/ شارع الحمرا – 2015 

يا بااااي شو أزمة ... (زحمة أوي يعني) .. قالها صديقي السوداني المقيم بلبنان لما رأى مجموعة من السيارات على مدخل الشارع الشهير في الثامنة من مساء الجمعة، فلما أحصيت بعيني السيارات وجدت أنها لا تتجاوز العشرين، فسالته بسرعة: إنت عبيط؟؟ دول ما يجوش عشرين عربية!! .. رد بتلقائية: الوقت له تمن يا أشرف .. إنت فاكرنا في مصر. 

الأردن/ عمان – 2016 

يحكي لي زميل عمل بابتسامة غامضة عن زياراته المتكررة للقاهرة، وكيف أنه لم يتحمل الخروج من الفندق إلا في أضيق الحدود... فالتلوث والزحام و الضجيج كانوا أكبر من قدرته على التحمل. 

مصر/ مدينة نصر – قبل أيام 

قلت لها: ماما.. إنتي أغلى حاجة عندي في الدنيا، وأنا عارف إني غايب عنك وعن مصر بقالي شهور طويلة، وعارف إني وصلت أول امبارح، بس أنا لازم أرجع الأردن حالاً .. مش عارف أعيش هنا خالص!!. 

ذهبت إلى القاهرة قبل أيام في رحلة عمل سريعة، وكنت أعاني من نوستالجيا ثقيلة الوطأة أصابتني بمبادئ اكتئاب، كنت أفتقد قاهرتي الحبيبة، أهلي، أخوتي، أصدقائي، مقهاي، شوارع المعادي وكورنيش الاسكندرية، مدرجات الملعب، وغيرهم الكثير من التفاصيل التي لن أجدها هنا في الأردن ولا في أي مكان آخر على الكوكب. 

طلبت أن أمد إجازتي قليلاً لتصبح عشرة أيام بدلا من ثلاثة، وقد كان .. ومع بدايات اليوم الثالث، دار بيني وبين والدتي الحوار الذي قرأته أنت لتوك.. ورغم أنه لم يمر على هجرتي من مصر عام كامل بعد، إلا أنه يبدو أنني اعتدت (الحياة الطبيعية) ولم تعد تستهويني (المراجيح) التي نعيشها كلنا بالقاهرة!!. 

بدءاً من لحظة وصولي للمطار، ذو الرائحة الغريبة التي لم تكن ودودة إطلاقاً، وحتى جلوسي على مقعد الطائرة التي أعادتني إلى "عَمَان"، لم تحرمني مصر من مباهجها، زحام خانق بشارع رئيسي بسبب زيارة رسمية مهمة، وزحام أشد بسبب كوبري علوي ما تنفذه إحدى الشركات بالقرب من مكان سكن أهلي حيث سأقيم، فنجان القهوة على مقهاي الحبيب زاد سعره للضعف بالضبط، كما أن طعمه لا يُطاق، حكايات الرفاق من عشرة عمري (وكلهم يمتهن مهن راقية ومحترمة وفي أماكن محترمة للغاية) تمتلئ بالأسى على حال مصر المتدهور يوماً بعد الآخر. 

في اليوم التالي وعلى غير العادة وجدتني مساء للغاية من قميصي الأبيض الذي اتسخ بشدة بعد ثلاثة ساعات فقط من ارتداؤه، مررت سريعاً تحت بيتي القديم بالمعادي، فوجدت الحال لا يسر إطلاقاً، مخلفات مباني، وبقايا صرف صحي مختلط بتراب الأرض في مشهد لم يعد من الممكن احتماله، البنك الذي زرته يعج بالبشر بصورة سخيفة حيث أن السيستم كان واقع، حتى مقهى المعادي المكيف أصبح باهظ الثمن بصورة مريبة. 

الجميع يحتج على غلاء الأسعار، على جنون الدولار، على سوء الخدمات الصحية، على تدني مستوى الخدمات التعليمية، على التخلي عن جزيرتي "تيران وصنافير" بتلك البساطة وتلك الصورة المباغتة، الكل يهاجم ويسب ويلعن، الكل (بلا مبالغة) يتمنى الهجرة، فياله من وطن قاسٍ على أبنائه. 

ما تخليك في حالك، إنت مش عايش في الأردن ؟؟ 

قالها صديقي المتحمس لمصر، العاشق لها، فاستفزتني جملته كثيراً، فأنا صحيح (عايش برة)، لكنني مصري ابن سلسال مصريين، أهتم بحق لما يعيشه أهلي ومعارفي من (قرف) يومي، أهتم للحظة التي سأحمل فيها أسرتي حتماً عائداً للاستقرار بالوطن، لصورة بلادي التي يدمرها أبناؤها يوماً بعد يوم، بعدم الالتزام بقانون، بعدم الاكتراث بمشاعر الآخرين، بعدم الاهتمام بتلك الأرض الطيبة، بلامبالاتهم بالوقت والنظافة والنظام، باستسهالهم للفساد والتحرش والاعتداء اللفظي والجسدي على الآخرين – أي آخرين-. 

الموضوع في رأيي ليس له علاقة بتوجه سياسي أو أي فريق نتبع، الحكاية ليست في يمين أو يسار، الحكاية في قرار بأن نعيش جميعاً في (بلد طبيعية) لا يهدم أبناؤها الهرم بشاكوش، ولا يسرق فيها سائق تاكسي الراكب بحجة ضيق الحال، ولا يقتل فيها ممثل القانون مواطناً بسبب الخلاف على سعر كوب شاي، والبلاد الطبيعية لا يمكن تحقيقها إلا بإنفاذ قانون صارم يسري على موظف رئاسة الجمهورية والمستشار بنفس درجة سريانه على عامل النظافة و اللص والكوافيرة. 

يالها من حياة لا آدمية، يا له من وطن ضاغط، يا لها من بلاد عظيمة في ظروف غاية في الصعوبة. فلها ولنا الله.

اقرأ بقية الحلقات:

ويسألونك عن عَمَان.. في البدء كانت الهجرة (1)

اضغط هنا

ويسألونك عن عَمَان.. من وحي أزمة أوبر وكريم (2)

اضغط هنا

أشرف أبو الخير يكتب - ويسألونك عن عَمَان.. مصر ليست أم الدنيا (3)

اضغط هنا

أشرف أبو الخير يكتب - ويسألونك عن عَمَان.. اسمه ''أميـــر'' – (4)

اضغط هنا

 

أشرف أبو الخير يكتب: ويسألونك عن عمان (5)

http://goo.gl/IHQfPf

إعلان

إعلان

إعلان