إعلان

من وحي المذاهب.. هل يُسكت السوط صوتاً..؟

من وحي المذاهب.. هل يُسكت السوط صوتاً..؟

01:01 م الخميس 11 فبراير 2016

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - محمد أحمد فؤاد:

المذهب في المعجم هو الطريقة أو القصد أو الرأي أو وجهة النظر.. وعند العلماء هو مجموعة النظريات والآراء العلمية والفلسفية التي يشكل ارتباط بعضها ببعض وحدة متسقة أو نسيج واحد..  والمذاهب دائماً ما تثار حولها الرؤى والآراء بين قبول أو رفض وهذا لتعدد طبائعها، فمنها ما هو مادي أو احتمالي أو نفعي أو جبري أو وراثي أو تفكيكي أو تكعيبي أو ديموقراطي، وهذا الأخير ربما هو الأهم في مسار حديثنا هذا..!.

لسنا بصدد المذاهب الدينية متعددة المعتقدات فهذه قُتلت بحثاً ودراسة، لكننا هنا أمام حالة مرضية استثنائية ومريبة، ملامحها تتراوح بين تدني وانحطاط فكري وأخلاقي وسلوكي، وبين تبعات من عنف فكري ولفظي وبدني وصل إلى حد إباحة التصفية الجسدية بدم بارد، وتلك الحالة بالرغم من فداحتها تبدو للبعض المتابع وكأنها أصبحت مذهب مقبول ومتفق عليه ضمنياً بين أطياف المجتمع كافة إلا من رحم ربي.. صراع لم يعد خفي الملامح بين جيل متسلط ومتطرف فقد الصلاحية ومازال يأبى التقاعد، وبين أجيال حديثة تتطلع للتحسن والتطور لكن بمعايير عصرية، وفي هذا تجدها تسعى لفرض شروطها على المستقبل من خلال طي صفحات الماضي.

بين هذا وذاك تتعدد القضايا مثيرة الجدل، ولا مجال هنا للخوض في التفاصيل، لكن الثابت أنها أمور دائماً ما نجحت في اشعال حراك ستاتيكي مؤسف غير هادف للتغيير الفعلي، وتراه يشتعل فقط على مواقع التواصل وشاشات العرض والبرامج المتلفزة.. والأبطال هم دائماً مجموعات من شباب متمرد على أوضاع يراها مغلوطة، وغالباً ما تعكس نقمته على مرجعيات الفكر المتسلط..! ربما يرى البعض في هذا فطنة وخروج عن المألوف، ويحسبه البعض الأخر حقارة واستخفاف.. وبين ضجيج وصخب مؤيد ومعارض ضاعت مبادئ وقيم وأخلاقيات يبدو لي أن هؤلاء الفتية المحدثين لم يسمعوا بها، أو لم يُلقَنوها من قبل.. ومن هنا يبرز السؤال الهام: على من نلقي اللوم..؟ ومن يتحمل وزر أفعال وردود أفعال هؤلاء وهم مع الأسف كُثر..؟.

سأتعرض هنا فقط لحادثتين تعكسان حالة الازدواجية المهيمنة على المشهد، أولهما حادث السخرية من جنود الشرطة في ذكرى يناير 2011 وهو في ظني لا يخرج عن كونه فعل انتقامي ساخر من جهاز رسمي أثبت أن نظرياته الأمنية تحتاج لمراجعات فورية.. والثاني هو حادث إهانة أحد الشخصيات العسكرية البارزة في هتافات مشجعي الألتراس في ذكرى حادث استاد بور سعيد وهو ما أراه رد فعل تهكمي طبيعي أمام محاولات مفضوحة لغسل أيدي بعض القيادات السابقة من وزر اغتيال أحلام الشباب الثائر.. ردود الأفعال كالعادة في مجتمعنا الساذج ستتباين، وتتراوح بين استحسان على مضض أو استياء ورفض، أو بين مطالبة برأس من شارك وأيد..! الحالة الأولى هي جريمة مكتملة الأركان.. وأقول بأنها جريمة لما يتوافر بها من نية العمد في الإساءة لفئة المجندين البسطاء، وهم الذين يستحقون من التقدير والاحترام الكثير، ولا يجب تحت أي مسمى أن يتعرضوا لمثل هذا الإسفاف في توقيت قاس شديد الدقة تمر به الدولة شعباً ومؤسسات على محك هو الأخطر..!.

سيكون من الإجحاف أنكار التعاطف مع الجنود البسطاء أمام ما تعرضوا له من إهانة غير مسئولة، لكن أيضاً من غير المقبول رفع سياط التنكيل في وجه فتية ظنوا عفواً ان ما يفعلونه يحمل أي شبهة إبداع.. ولابد هنا من وقفة عقلانية لتشخيص هذا المرض الاجتماعي الخطير.. ولنبدأ من الاعتراف بأننا كدولة أدمنا على عدم الاعتراف بأخطاء من هم في مواقع المسئولية والتغاضي عن محاسبتهم وكأنهم معصومون من الخطأ، وكشعب لأننا أصبحنا لا نُفرق بين الجد والهزل في العديد من الأمور، وربما لهذا ذابت الكثير من القيم واختلطت التقديرات أمام تدافع الأحداث وتراجع الاهتمام بمسألة الثوابت من الأعراف والمبادئ الأخلاقية.

التصدي القمعي لمسألة الحريات أظنه تخطى حدود المعقول أو المقبول، حتى أنه أصبح من الصعب إغفال ملامح الخصومة التي وصلت لحد الثأر بين بعض من هم في مواقع السُلطة رسمياً، وكل ما هو متعلق بحقوق الإنسان الطبيعية كحرية الفكر والتعبير والاختيار..  تحت ضغوط ممارسات قاسية لبعض الأجهزة الأمنية، وتأييد أعمى من جانب بعض المرتزقة معتادي الانقياد والخضوع أصبح من العسير عدم توقع حدوث شرخ غائر في جدار المجتمع، وأغلب الظن سيكون هذا الشرخ ذو ملمح خطير سياسياً أو حقوقياً أو طائفياً..!.

قد يردنا الواقع الحالي بتفاصيله إلى أحداث مشابهة أثرت في الماضي على مسار حركة التاريخ، ولا أستبعد أننا قد نكون على أعتاب مرحلة مشابهة لا أدري إلى أي مدى ستتطور..؟  بين دعوات بعض الموتورين لإشعال الحروب واستعداء كل ما هو معارض أو منافس أو مخالف للرأي والفكر أصبحت أجواء العنف والقسوة والهمجية تلقي بظلالها على كافة أرجاء الدولة وسائر دول الجوار أيضاً.. أجواء مشابهة في الماضي كأجواء الحرب العالمية الأولى والثانية كانت قد مهدت لظهور حراك تنويري كان يهدف للتمرد على فكرة الحرب ومعاداة من يروجون لها، وكان هذا واضحاً من خلال محاربة الفنون التقليدية السائدة بأفكار تقدمية متحررة.. فمثلاً ظهرت الحركة الدادية التي انطلقت من زيورخ سويسرا بين أعوام 1916 و 1921 وكان لها تأثير ملحوظ على كل ما له علاقة بالفنون البصرية والمرئية، وقد اعتمدت الحركة لدى ظهورها على فكرة مسئولية المتلقي عن فهم ما يراه كيفما أراد، على أساس أن الفن يخاطب المشاعر والأحاسيس.

فمن ملهي فولتير الشهير بمدينة زيورخ خرجت مجموعة من مشاهير الفنانين منهم هوجو بول وإيمي هينينيز وتوزتن تزارا وهانز آرب وريتشارد هوسينسيلبيك وصوفي تابوير لإعلان رفضهم للحرب وأجواءها.. وقد تلى تزارا حينها بيان الحركة الأول وجاء فيه:
" لقد فقدنا الثقة في ثقافتنا، كل شئ يجب أن يهدم، سنبدأ من جديد بعد أن نمحي كل شئ.. في كبرييه فولتير سيبدأ صِدام المنطق، الرأي العام، التعليم، المؤسسات، المتاحف، الذوق الجيد.. بإختصار كل شئ قائم.."  قضيتنا الأولى محاربة الحرب..!.

اليوم.. وقياساً على هذا النموذج، ليس من المستبعد ظهور حراك مشابه لكن في اطار ربما سيكون مختلف الملامح.. وستكون قضيته الأولى محاربة الفكر القمعي وما يصاحبه من أنماط فساد سلاحها الوحيد رفع السوط في مواجهة أصوات هادرة تنادي بالعدل والحرية، وتتزلزل أمامها أصنام الماضي البغيض..!    

إعلان

إعلان

إعلان