لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

وجهة نظر: شيء من "نانسي" في الثورة

هاجر هشام

وجهة نظر: شيء من "نانسي" في الثورة

09:48 م الجمعة 08 مايو 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - هاجر هشام:

يوم كانت هناك ثورة في الميدان، كان كادرها الأيقوني هو ذاك الواسع العالي الضام لكل التحرير بتفاصيله، أو قل بأفراده، أشخاص يصنعون قصصًا بداخل هذا الكادر وخارجه، وعلى اختلاف تفاصيلها، تؤدي بالضرورة إلى نفس الوجهة، ذاك المحيط المتسع للجميع في التحرير.

هناك ترى الناس ينسجون بقصصهم الفردية، تضحياتهم الخاصة التي لانعرفها مشهدًا كبيرًا شكّل ما نسيميه اليوم ثورة، "نانسي فارس" كانت جزءً منه، الفتاة العشرينية التي أخذت منها الثورة أكثر ما أعطت، لاتعرفها الجرائد ولا تظهر ضمن مكونات بقعة الضوء التي يشيرون لها بالقوى الثورية، بل هي واحدة من هؤلاء الذين كانوا وقود الثورة الصامت الذي لا تعرفه إلا مع هدير مظاهرة أو صورة لجمع كبير ينادي بمطالبها.

الثورة، خلال أربع سنوات مضت، كانت تحرك الفتاة المسيحية التي كان ارتباطها الأول بالكنيسة والمؤتمرات الكنسية المختلفة، استطاعت أن تكون بطلة حياتها فتحرك وتغير كل شيء بعنف وراديكالية تتناسب مع اسمها، ثورة، لتحتل حياة فارس التي تندم يومًا أنها خسرت الكثير في سبيل الإيمان بمادئ الميدان.

"الأمر بدأ بمشاهدتي التلفاز، كان قلبي يتحرك ويتفاعل مع الموجودين في الميدان، لكن البيت اختلف معي"، لم يسمح والداها لها بالخروج مواجهة لمصير من شابهوها في الحلم بحياة أفضل للمصرين سوى في اليوم الأخير حين رافقها أباها إلى الميدان، ليحتفلوا بما بدا أنه انتصار للثورة، تقول نانسي: "من ساعتها ما سبتش الميدان".

صارت نانسي تشارك في أغلب الأحداث التي كانت في الميدان من بعد 11 فبراير وحتى وقت قريب، ياخذ الميدان من جهدها في الركض ومن صوتها في الهتاف ومن دموعها كلما مات شهيد أو أصيب متظاهر، تتفاعل مع مكوناته وزموزه كأنها تمتلكهم جميعًا، كأنهم حق مكتسب لها كمشاركة في الثورة، لم تكن البطلة لكنها وكثيرون صنعوا مشاهد بطولية لا تعرف بطلاً واحدًا.

لم تعد ترى نانسي، الفتاة الملتزمة دينيًا، أن المسيح الذي تحب موجود بين أروقة الكنائس التي طالما واظبت على الخدمة بها، وحضور مؤتمراتها وكسب الكثير من الأصدقاء والمعارف هناك، أصبحت تراه بين المرابطين في ميدان التحرير، الثابتين على الحق والفكرة والمبدأ، كما تقول: "بقيت بروح الكنيسة أقل من الأول، مع كل مرة بسمع كلام وحش عن الثورة ارتباطي بالكنيسة بيقل".

مع كل واقعة، بداية من الثمانية عشر يومًا الأولى، وحتى أحداث ماسبيرو، خسرت نانسي كل ما جمعت من أصدقاء ومعارف في سنوات عدّة، الفتاة الملتزمة لم تعد تذهب إلى الكنيسة  توظب على الخدمة هناك كما قبل الثورة، كانت تدافع عن الثورة وحيدة، كثورتها، بين أغلب من تعرفهم، وحيدة تقريبًا، كما تقول: "تقريبًا مافيش حد من أصدقائي المسيحيين ما خسرتوش في الثورة".

رفقاء كانوا الأقرب لم تعد حتى تهتم بوجودهم، وآخرون خسرتهم للأبد، حتى العائلة كانت في بعض الوقت تدخل بينها وبينهم الصراعات: "محدش كان بيفهمني، وأنا ماكنتش ببقى فاهمة إزاي هم شايفين الثورة بشكل مختلف عنّي، إزاي ممكن يسكتوا على موت حد أو يعتبروه حدث عادي".

تضيف: "الثورة بقت نقطة مهمة في حياتي، شريك في كل حدث يخصني"، صارت تحدد حياتها، الأصدقاء، من تعرف ومن تحادث، من تحب وبمن تقتدي، حتى الموسيقى التي تسمع والأفلام التي تحب، والرجل الذي ستحب، تقول باستغراب: "كيف لي أن أحب رجلاً لايتفهم شعوري بالاكتئاب لأن علاء عبد الفتاح اتقبض عليه؟ أو لأن هناك قتلى ومعتقلون في ذكرى الثورة؟ لا أستطيع".

لم تعد هناك مظاهرات في التحرير، وصارت الثورة، كما نانسي، أكثر وحدة من أي وقت مضى، لكنها لا تندم أبدًا يوم جعلت الثورة تدخل إلى تفاصيل حياتها بهذا العمق، لا تنكر أن شعور اليأس الذي يتمكلها أحيانًا بخصوص مآل أحلامها الثورية لبلدها.

خسرت الفتاة كنائس كثيرة وكسبت "قصر الدوبارة"، خسرت أصدقائها من مذابح كنائس مصر المختلفة وكسبت أصدقائها من مذبح التحرير، بميزان المنطق تقول فارس أنها خسرت أكثر مما كسبت بالتحولات التي صارت في حياتها، لكنها بمنطق الميدان الذي تنتمي روحها إليه، أصبحت تدرك الأمور وتقدر الأشياء أفضل من ذي قبل، رغم خساراتها الشخصية المتوالية.

إعلان