إعلان

عندما تشابهت حياتي مع الروايات (2-3)

آية إيهاب

عندما تشابهت حياتي مع الروايات (2-3)

06:39 م السبت 30 مايو 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - آية إيهاب:

دائمًا ما تأخذ شكل علاقتي بالكتاب بعدًا أكبر من حضور دافئ، أو تعلق ما، في الكلية درسنا أنه ثمة ثلاث أوقات تتواجد لحظة القراءة، أولها زمن الكتابة نفسها الذي يجبر الكاتب دون أن يشعر أثناء عملية خط حكايته على أن يتخذ مسارات وخيارات في قصته، وزمن الحكي وهو الزمن التي تحدث فيه الرواية نفسها باختلاف استخدام التاريخ داخل أوراقها، ثم زمن القراءة ذلك الزمن الذي يشكل استقبالي للرواية، لتسهم كل تلك الأزمنة في صنع النهاية بتأويلاتها المختلفة.

لذا يصبح دائمًا الأكثر سحرًا بالنسبة لي هو زمني الخاص، كل رواية قرأتها ترتبط معي بذكرى خاصة، حيث ترتبط عزازيل معي بكونها الرواية التي شجعتني على كتابة قصتي القصيرة الأولى، وعلمت من صديقة بالصدفة أنها هي الأخرى كتبت نص بعد قراءتها للرواية، وبرغم عدم اهتمامي وقراءتي لصاحب الرواية إلا رواية النبطي إلا أن تلك الرواية سأتذكر أنها قد ساهمت في خلق نصي المتجانس الأول.

تعيد لي رواية "لا أحد ينام في الإسكندرية" ذكرى وقت جلوسي بنوم متقطع يتخلله صراخ السيدات بجانبنا في عنبر الولادة، وأنا في حجرة المشفى بجانب أمي، في وقت كانت قراءة الصفحة وفهمها تحتاج لعدة مرات، بت أفكر في صعوبة الألم الذي يجعلنا لا ننام بغض النظر عن أين نعيش ومتى يحدث ذلك، العالم قاسي بالفعل، ربما تختلف تلك النظرة بعدما قرأت رواية "نون" عندما بت أبحث عن السحر الذي يكمن في التفاصيل، وقررت بدء سلسلة صوتية تحمل الجملة التي تكررت بالرواية "لسه فيه سحر في العالم".

يشبه ذلك الأمر عندما قرأت ديوان إيمان مرسال "ممر معتم يصلح للرقص" انتهيت من الديوان في وسائل المواصلات، وخلال الطريق إلى منزلي رأيت العالم وكأنه كان الذي تقصده إيمان تحديدًا، إذ كانت عيناي دائمًا ما ترتكز على الشارع الرئيسي بأنواره وصخبه ومحلاته وأصوات الباعة والمنادين، ثم تغيرت وجهتي، كنت أكسر قيود هذا العالم وأغني أو آكل الدرة المشوي دون أن أعبأ بما يخلفه من نقاط سوداء على فمي وأسناني، ثم أفرد ذراعاي عندما يقل عدد الجلوس بالأتوبيس فأشعر بخفة ما، وعندما قرأت لإيمان وجدت ممري الذي يصلح للرقص.

وقتها رأت عيناي امتدادات الشارع الرئيسي، تلك الأماكن التي نساها الضوء، فباتت العتمة خالقة لنوع آخر من الجمال، فكرت في أن أوقف حافلتي ذات مرة وأترجل في الشارع الذي حددته لأترك يداي وأتحرك بطريقة دائرية مثل التي تحركها فرانسيس في فيلم "فرانسيس ها" بنفس الجرأة، ونفس الحرية والسعادة التي بدت عليها تلك اللحظة، ربما سأضع على تليفوني أغنية "غمض عينيك وارقص بخفة ودلع" التي كتبها جاهين، وسأشعر أنني لأول مرة قد وجدت بالفعل ممري المعتم الذي يصلح للرقص.

الرواية التي ترتبط معي بالطريق أيضًا كانت "قمر على سمرقند" في الغريب أن الرواية هي الأخرى كثير من أحداثها تقع على الطريق، بت أفكر كيف يمكن أن تتشابه أفعالنا دون أن تتشابك مصائرنا، يبحث البطل عن نفسه وماضيه، بينما أتعجل مستقبلي وعلى الرغم من ذلك أندم على مرور الوقت السريع! أما رواية "تغريدة البجعة" التي ذكرت أولاد الشوارع فقد ألقت بظلالها على حياتي هي الأخرى، في الرواية كان البطل يلتقي بكريم فتى الشارع، منذ لحظة الرواية وظهر في طريقي شخص نائم ملتحف بغطاء لم أره، صرت أتساءل عن استدعاء القراءة لشخوص الرواية على الواقع، أكدت لنفسي أنه ربما يكون أحد العمال، ربما يكون عجوز طاعن في السن، لم أتبين وجهه ولا مرة حتى انتهيت من الرواية، في اليوم التالي مباشرة من انتهائها رأيته، وكأنه هو كما وصفته الرواية، بت أراه بوجهه كل يوم، لا أخفي سرًا أن درامية الفكرة كانت تقلقني، وربما تسرب إلي خوف غير مبرر، ثم صرت أتعاطف معه، أود مثل الرواية في أن أقدم له يد العون، في إحدى المرات كانوا يصورون إعلانًا أو فيلمًا وقفت العربات والبودي جارد وغيرهم وجلس هو على مبعدة غير آبه لكل هؤلاء، أظن أن أكثر الأفلام ملحمية لن تستطيع أن تغرق في تلك الأشياء أظن أنها ستبدو مبتزلة وغير إدعاء، ذلك العالم بتفاصيله تلك التي يتقاطع فيها بشكل مبهر معك في حياتك، يعجزك عن التصديق، ويجعل إخبار البشر بتلك الحواديت أمرًا صعبًا، لذا تقرر كتابته في مقال عابر تحية لفتى الشارع الذي لم تواتيني الشجاعة حتى الآن لأحادثه!

إعلان

إعلان

إعلان