لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

وجهة نظر: بقع سوداء في جسد أمة العرب!

محمد أحمد فؤاد

وجهة نظر: بقع سوداء في جسد أمة العرب!

04:41 م السبت 30 مايو 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - محمد أحمد فؤاد:

مشهد يتكرر ويبعث على الانقباض.. رتل من مركبات الدفع الرباعي تحمل ملثمين متشحين بالسواد، ومدججين بسلاح متطور غربي الصنع.. يتحركون بسرعة وحرية مريبة، ويكونون تشكيلات عصابية تعث في الأرض فساداً، وأينما يحلون تجد فقط القتل والنهب والتدمير، وكأن أديم أرض العرب أصبح لهم مستقراً مستباحاً يغرسون فيه ألويتهم السوداء لتنمو وتتمدد كنبت شيطاني لا يرتوي إلا بالدماء، ولا يتغذى إلا على روث فكري يسمى "السلفية الجهادية"..!

انفرطت مسبحة تنظيم القاعدة الأمريكي الصنع والسعودي المنشأ 1988، منذ تصفية منظره الأول أسامة بن لادن 1957 : 2011 من خلال مسرحية محبوكة لم تتجلى بعد ملامحها بالكامل..! التنظيم تبنى الفكر التكفيري على أساس ثيوقراطي، وكان تكوينه أساساً يهدف للتصدي برعاية أمريكية لطموحات السوفييت الشيوعية وإيقاف تمددها في منطقة أسيا الصغرى، لكن الهدف ربما تبدل بعد انتهاء المهمة، وسعى من خرجوا من عباءة هذا التنظيم سعياً وراء حلم إحياء الخلافة الإسلامية بمنطق مغلوط ومضلل يعتمد في الأساس على ما يسمى المنهج السلفي كمرجعية وحيدة..!

كتائب عبد الله عزام وفتح الإسلام وجبهة النصرة وتنظيم داعش وأنصار الشريعة وأنصار بيت المقدس وأكناف بيت المقدس ما هي إلا تكوينات عنقودية انبثقت عن تنظيم القاعدة، ونجحت في استقطاب العديد من صغار السن في عديد من المجتمعات عن طريق إغراءات مدروسة لم تخرج عن توفير ثلاث مواد فتاكة شديدة التأثير هي السلطة والمال والجنس، وقادة تلك التكوينات مضطربة العقيدة ما هم إلا مجرمون مرتزقة هاربون من العدالة في بلادهم، على شاكلة أيمن الظواهري وأبو مصعب الزرقاوي وماجد الماجد وشاكر العبسي وأبو بكر البغدادي وأبو محمد الجولاني وأبو يحيى الليبي وسفيان بن قمو ومحمد علي الزهاوي وثروت صلاح شحاتة وغيرهم.. بعضهم تمت تصفيته عمداً لأسباب استخباراتية بحتة، والبعض الأخر تُرك ليعمل تحت سمع وبصر رعاة الإرهاب والعنف لنفس الأسباب تقريباً..!

تلك كانت مقدمة مطولة نوعاً قصدت بها فض الغلاف الديني الزائف الذي يخفي في طياته نوايا مريضة وأفكار لا تخلو من الهمجية والعفونة أصبح لزاماً علينا اجتثاثها من الجذور وتصفيتها تماماً إذا ما أردنا أي مستقبل مريح للأجيال القادمة..! لن أسرد هنا ما خلفه هؤلاء من مآسي ودمار وما زرعوه من همجية، لكن سأهتم فقط بمحاولة استدعاء الأسباب التي أظنها أدت إلى تغلغل هذا الشر الأسود داخل مجتمعاتنا التي كانت آمنة قبل أن تختلط فيها ثقافات الاحتكار والرأسمالية النفطية، وقبل أن سوداها هذا العالم الافتراضي في الفضاء الإلكتروني حيث انصرف الجميع بلا استثناء عن أدوارهم الأساسية تجاه إعداد وبناء مجتمع متحضر على أسس سليمة..

المدهش أن تلك الأفكار باتت بلا سقف يحدد طموحاتها، وانتشرت في مجتمعات ظنت أنها في مأمن من شرورها، وتراها تهتم الأن فقط بمحاولة إلصاق التهمة بأي طرف فقط لتعفي نفسها من مسئولية الدماء المستباحة وجرائم التخريب المتتالية..! انتشار تلك التكوينات العنقودية له بالطبع خلفيات سياسية ذات طابع استعماري، لكن لا يجب أن نغفل أن له أيضاً أبعاد نفسية شديد التشابك والتعقيد، فهو لم يعد مرتبط ارتباط مباشر بمكان بعينه، أو بالفقر أو بالمستوى الاجتماعي، بدليل ظهور بصماته في مجتمعات متقدمة ومتحررة وليست فقيرة بالضرورة.. على كافة المستويات يتم تجنيد واستقطاب عناصر جديدة لتنضم لكتائب التكفير والكراهية، والمستهدف دائماً هو النشء عن طريق مواقع إلكترونية تبث أفكار التمرد على العادات والتقاليد والقواعد الاجتماعية التي تعني ببناء الأسرة وتماسكها، ويكون هذا غالباً عن طريق بث مواد مجانية ذات بريق استهلاكي أو شهواني، على سبيل المثال تجدها في أغاني أو شعارات أو رسومات وقصص قصيرة، أو مواد فقهية ودينية محرفة، أو مساحات للتواصل والدردشة يكون روادها عادة من دعاة الهمجية والعنف والرفض لكل السلطات الأسرية.. شيئاً فشيئاً تستجيب العناصر الضعيفة لتلك الأفكار تحت ضغوط حياتية قد تكون متعلقة بقدرات الآباء المحدودة على الاستجابة لرغبات الأبناء، أو على العكس تأتي بالإفراط في الاستجابة لتلك الرغبات فيحدث هنا الخلل داخل الشخصية بين تطلع وطموح محدود القدرات لدى البعض، وشراهة بلا حدود لدى البعض الأخر..

أسباب أظنها تقف وراء انتشار الفكر الأصولي والتوجهات التكفيرية المتطرفة في مجتمعاتنا العربية سألخصها في ثلاثة محاور أساسية:

- غياب العدالة الاجتماعية، وتفكك الأسرة الناتج عن تراجع دور الآباء لانشغالهم الدائم، والاعتماد على بدائل استهلاكية لدورهم الحيوي.

- ازدياد مساحات الجهل واستهانة الأنظمة الحاكمة بأهمية تحديد أبعادها، وانعدام الثقة بين الشعوب والحكام بفعل الإخفاقات السياسية.

- اتساع الفضاء الإلكتروني ووفرة مواد تحث على التمرد على الأسرة والمجتمع، وتعذر السيطرة على ما يبث منها على المواقع المشبوهة.

إذا كان لتلك المحاور السابقة أي دلالة، فهي في ظني لن تخرج عن نطاق مسئولية الأسرة في المقام الأول عن الإعداد السليم والصحي للنشء، والاهتمام بالتربية على أساس المشاركة والتفاعل بين الآباء والأبناء في كل الأمور الحياتية التي تحكم سلوكيات الانضباط الأخلاقي والفكري، وأيضاً التدخل الحذر لرفع مستوى الانتقائية لدى الأبناء، والارتقاء بالذوق العام لديهم.. وعلى نحو أخر، وجوب الانتباه دائماً للاعتدال في أساليب التقويم عند الثواب والعقاب.. ومن الأمور شديدة الأهمية عند تفعيل رقابة الأسرة على الأبناء هو تجنب التدخل المباشر في خصوصياتهم، ولكن المداومة على المتابعة والحوار الهادئ معهم بصفة عامة، ثم بعد ذلك التدخل بحكمة بشأن أي أعراض غريبة تظهر على سلوكياتهم كالانطواء أو الانعزالية أو العنف غير المبرر والبحث وراء الأسباب التي أدت إلى هذا في الأوساط المحيطة كافة، ويجب أيضاً الحرص على تجنب العصبية أو الميل لاستخدام العنف اللفظي أو البدني تجاه الأبناء أو أمامهم، ومن ثم الحرص على عزلهم عن أي خلاف أو شجار عائلي قد يطرأ بين الآباء..
السيطرة على مواطن الشر وبؤر العنف والهمجية تبدأ من داخل الأسرة، وليس من أي مكان أخر، وهذا هو الهدف الذي يبناه هذا المقال، فالاعتماد على التنشئة السليمة داخل الأسرة سيوفر علينا حتماً البحث عن البدائل وسيسهل بالطبع من مهام دور العلم والثقافة التي لا أظنها تستوعب الكثافة السكانية المحملة بالأعباء والأمراض المجتمعية المزمنة..
الشر الأعمى يحتضر ولا يجد طريقه في البيئة التي تحيطها وتحميها عقول حرة نابضة بالاعتدال والوسطية..!

إعلان

إعلان

إعلان