الفارسة / فايزة أبو النجا... والأمن القومي المصري

بقلم - لواء دكتور محسن الفحام:

انتظرت كما تعودنا حتي هدأت التعليقات و ردود الأفعال الناتجة على قرار السيد رئيس الجمهورية باختيار الدكتورة / فايزة ابو النجا مستشاراً لسيادته لشئون الأمن القومي.. وهو قرار أرى أنه - بصفة شخصية ووظيفية - انه صائب بكل معنى الكلمة بغض النظر عما أثير حوله تأييداً او اعتراضاً وانه جاء على غير رغبة الولايات المتحدة الامريكية و العديد من الدول الاروبية و بالطبع بعض منظمات المجتمع المدني الممولة من الخارج والتي لها أجندات خاصة هادفة إلى تقويض النجاحات التي تسعى الدولة إلي تحقيقها على كافة الاصعدة.. أما وأن الأمور قد استقرت وانتصر القرار المصري وبدأت السيدة / فايزة او النجا في ممارسة عملها.. فإنني أعتقد انه من الضروري ان يعرف الرأي العام مفهوم هذا المنصب وابعاده واهميته ومن ثم مدى الثقة التي أولاها الرئيس لهذه المقاتلة الباسلة لتولي تلك المهمة في هذا الخضم الهائل من التحديات التي تمر بها البلاد داخلياً وخارجياً.

أود في البداية أن أنوه إلي ان عنوان المقال "الفارسة فايزة ابو النجا" ليس من عندي بل هو لقب استخدمه كثيراً الراحل العظيم عمر سليمان عندما كان يتحدث عنها باعتزاز و اعجاب، وكان يقول انها مقاتلة بامتياز ودائماً كان يتوقع لها النجاح.. وفي هذا الاطار اسمحوا لي ان أوضح مفهوم الامن القومي كما عرفته منه عندما كنت اتردد عليه لاستطلاع رأيه كمرجع تاريخي لي في رسالة الدكتوراه التي حصلت عليها وكانت عن ادارة الازمات داخلياً او تلك الناتجة عن بعض العلاقات الدولية.

1- ان مفهوم الأمن القومي هو مفهوم شامل جامع للمصالح العليا للبلاد لتوفير المناخ الملائم للاستقرار و التنمية و السعي لعدم الوصول إلي توترات او نزاعات داخلية او خارجية والقدرة على إدارة الازمات الناتجة عن تلك النزعات و العمل على تحقيق التقدم على كافة الأصعدة السياسبة و الإجتماعية و الإقتصادية و العسكرية و أن يكون القائم عليه معاوناً مخلصاً صادقاً للقيادة السياسيه لاتخاذ القرارات الهامة التي تمس أمن وسلامة الوطن.. وبناءً علي ذلك فهو لا يعتبر منصباً عسكرياً او سياسياً او مخبارتياً بل هو مزيج من كل هذا و ذاك.

2- إن أول واخر من تولى هذا المنصب رسمياً السيد / محمد حافظ اسماعيل في عهد الرئيس السادات و كان قد بدأ حياته العملية عسكرياً ثم إتجه إلي العمل السياسي.. ومن الغريب انه قد اشار في كتابة "أمن مصر القومي في عصر التحديات" الصادر عام 1987 إلى فشله في عمله بهذا المنصب بسبب التنافر و عدم الانسجام بين كبار رجال الدولة في هذا الوقت وأقتصر دوره في نهاية المطاف على مجرد تنظيم تدفق المعلومات إلى رئيس الجمهورية وتنفيذ توجيهاته في مجال العلاقات الخارجية.

3- ان عمر سليمان مارس هذا الدور بشكل غير رسمي في بدايات عام 2001 عندما أسند إليه العديد من الملفات الهامة التي تتعلق بالامن القومي بمفهومه المشار إليه والتي كان من بينها علي سبيل المثال لا الحصر:

• ملف القضية الفلسطنية و المصالحة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس.
• ملف المصالحة بين شمال و جنوب السودان.
• ملف المياة و التفاوض مع دول حوض النيل عندما حاولت بعض تلك الدول إعادة صياغة اتفاقية عنتيبي لتقسيم مياة النيل و وقف لها بالمرصاد حتي وفاته.
• ملف طائرة مصر للطيران التي سقطت قرب السواحل الامريكية و اتهمت السلطات قائدها عصام البطوطي بالتعمد في اسقاطها حيث ترتب على تدخله في الوقت المناسب إغلاق هذا الملف وعدم احالته للمدعي العام الامريكي مما كان سوف يترتب عليه خسائر مادية فادحة بالاضافة إلي الاساءة إلى سمعة شركة الطيران الوطنية .
• اسهامه في ملف مكافحة الإرهاب بكافة اشكاله وصوره داخلياً و خارجياً والجميع يشهد بالانجازات التي تحققت له في هذا الصدد.

هذا قليل من كثير.. وكما نرى فهي ملفات متباينه الاهداف ما بين سياسية او اقتصاديه او عسكرية او أمنية .. ومن هذا يأتي مفهوم الامن القومي بمعناه الشامل.. ومن هنا ايضاً يمكن ان نعرف هذا الحجم الهائل من المسئوليه الكبيرة الملقاه على الفارسة المقاتلة / فايزة أبو النجا في المرحلة الحالية.

ولعله ايضاً من المناسب على ضوء المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد أن نتوقع ما سوف ينصب عليه اهتمام المقاتلة الجسورة و الملفات التي سيكون لها الاسبقية في التعامل معها على النحو التالي:-

1- تحديد الاهداف و الأولويات و مصادر التهديد الأنية للأمن القومي المصري ووضع الخيارات المناسبة لمواجهتها من خلال إطار تنظيمي او مجلس امن قومي لادارة المصالح العليا للبلاد.

2- تأمين الجبهة الداخلية ضد محاولات الاختراق من الخارجمرة أخرى او من الصدامات السياسية و الاجتماعية في الداخل و معالجة الاختلال في التوازن الاستراتيجي خاصة في المجالات السياسية و الاقتصادية و الامنية.

3- التنسيق بين الاجهزة الأمنية و مؤسسات المعلومات على مستوى الدولة و الحد من التضارب فيما بينها بمعاونة مجموعة منتقاه من ذوي الخبرة و مناقشتها مع المؤسسات المعنية في ضوء طبيعة كل قضية على حدة قبل رفعها لرئيس الدولة.

4- تشكيل فريق لادارة الازمات و التعامل مع الكوارث على المستوى القومي كلما استدعى الأمر ذلك.

5- التواصل مع الوفود الرسمية المسافرة للخارج و كذلك فتح قنوات اتصال مع وسائل الاعلام و منظمات المجتمع المدني الشرعية لشرح ابعاد الموقف السياسي العام و ابعاد الموقف المصري تجاه القضايا الحيوية و مبررات القرارات السيادية و خلق قواعد مشتركة للفهم المشترك مع جميع هذة الاطراف.

هذا قليل من كثير ... و اعلم ان هناك ملفات أكثر و أخطر و اعمق من ذلك بكثير.. واعلم ايضاً ان المأمورية صعبة و المهام ثقال.. لكني على يقين ان الرئيس / عبد الفتاح السيسي لم يقدم على اتخاذ هذا القرار إلا لقناعته الكاملة بقدرة هذة المقاتلة الباسلة علي تحمل المسئولية و على القيام بتلك المهام و انه سوف يهيئ لها المناخ المناسب لتحقيق النجاح تلو الاخر باذن الله ... اتخذ الرجل قراره ليؤكد للعالم اننا اصبحنا اسياد قراراتنا و اننا لا نخضع لاي حسابات داخلية أو خارجية سوى مصلحة الوطن العزيز.

للتواصل مع الكاتب: mohsenelfaham@outlook.com

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا