لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

شمس عبدالناصر لن تغيب!

شمس عبدالناصر لن تغيب!

09:28 م الأحد 29 سبتمبر 2013

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - علاء الديب:

غربت شمس يوم 28 سبتمبر 1970 فى منشية البكرى حوالى السادسة والنصف. كان عبدالناصر قد ودع أمير الكويت، وعندما أحس ببوادر الأزمة القلبية نقل إلى الدور الثانى فى بيته. فى الغرفة (تحية) و(السادات) و(هيكل). توفى بعد قليل، رفع السادات يده وقرأ سورة من القرآن الكريم، انحنت (تحية) على الفراش وأمسكت يده وقبلتها وقالت: كان هو كل ما أردت.. الآن وقد ذهب.. أمنيتى الوحيدة أن أدفن إلى جواره.

بعد ساعة توقف العالم العربى، كان معظم العرب فى حالة صدمة. من بعيد كنت أقود سيارة فى طريق سريع فى كاليفورنيا، سمعت الخبر فى الراديو، توقفت فجأة، وضعت رأسى بين كفى وانتحبت، سأل الشرطى ما الأمر؟ قلت: حدثت وفاة فى أسرتى، وسمعت الخبر الآن!''.

هذه آخر كلمات فى كتاب: ''جمال عبدالناصر: آخر العرب'' للكاتب والصحفى: سعيد أبوالريش ''1935 - 2012''، وهو فلسطينى أمريكى، وكتابه سيرة حافلة حرة لعبدالناصر، رجع فيها إلى أكثر من مائة مرجع أمريكى وإسرائيلى وبريطانى وعربى، وإلى عدد كبير من الدوريات واللقاءات الشخصية مع مصريين وأجانب كانوا قريبين من عبدالناصر، أو من الأحداث فى العالم العربى، الكتاب مكتوب بالإنجليزية وقد أشرف على ترجمته الصحفى سمير كرم. سعيد أبوالريش ووالده صحفيان عملا مراسلين لصحف كبرى: تايم، لايف، إذاعة أوروبا الحرة، كما عمل سعيد أبوالريش فى السعودية والعراق، قريباً من أجهزة السلطة والمخابرات الأمريكية والعربية، ويقدم فى الكتاب معلومات جديدة ومتنوعة عن حياة عبدالناصر ومحاولات اغتياله، وعن علاقات الدول المتشابكة مع أجهزة المخابرات الأمريكية، والدور الملعون الذى لعبته فى المنطقة ولعبة النفط، ولعبة جماعة الإخوان بالتعاون مع المخابرات، وأموال النفط، كل المعلومات ينسجها الرجل بمحبة وإعجاب بناصر العرب، ولا يتردد فى إيراد كل ما أحاط به من هجوم وافتراءات، وهو يقول فى حديث أخير له فى الـ''بى. بى. سى'' العالمية: جيلى من العرب، عاش يتيماً بعد رحيل عبدالناصر.


لعل أهم ما يمكن متابعته فى هذه السيرة هو تنبه عبدالناصر واعتراضه على استخدام الإسلام السياسى، قبل الثورة اكتشف من خلال اتصاله مع الجماعة وحسن البنا أنهم لا يملكون ''مشروعاً وطنياً'' وهو الأمر الذى لم يكن عبدالناصر يملك غيره، اكتشف فيهم انتهازية وجوعاً للسلطة. تبدى دائماً فى كل المواقف: بعد الثورة: عندما قيل إن الإصلاح الزراعى ليس إسلامياً، وأيام العدوان عندما كانت مصر تغنى ''حنحارب'' كان الإخوان يقولون: عبدالناصر يحمل الخراب لمصر عبر إذاعة قبرص.

''إنه الرجل الذى جاء من لا مكان ومثل للأمة العربية (الأمل)، كان يتكلم وكأنه يحاول أن يوضح نقطة مهمة لصديق! لقاؤه بالناس كان يمنحه طاقة وبهجة، لأول مرة يصبح الشعب العربى كله فى حالة هياج تعبيراً عن حبه لقائد عربى، كل القادة الآخرين كانوا يعيشون أحلام يقظة وينتظرون الأمر من واشنطن، كان عبدالناصر يحاول القيام بأكثر الأعمال صعوبة، كان يحاول أن يبيع للعالم صفحات مطوية من تاريخ خالد للعرب، يحاول هو أن يبعث فيها الحياة بالقوة المطلقة لشخصه''.

قيل عنه إنه على صلة بالأمريكان رغم ما يظهره، وقيل إن علاقته مع ''داج همرشيلد'' أمين الأمم المتحدة هى لضمان سلام إسرائيل. وقالت عنه جماعات الإسلام إنه شيوعى، وإنه مرتد. اشتراكى. أصدر التنظيم السرى للجماعة حكماً بالإعدام عليه، كما اشترك فى عدد لا يحصى من محاولات الاغتيال، قال عنه سيد قطب إنه باعث الجاهلية الجديدة، واستمرت أجهزة بلاد النفط طوال سنوات وجوده تهاجمه، الناس فقط كانت تصدقه، وتحبه وتثق أنه يعمل لها وعندها، وجوه الناس وعيونهم وهى تنظر إليه كانت تقول ذلك، المظاهرات فى كل العالم العربى لمختلف الأسباب والمناسبات كانت ترفع صوره، أعز ما لديه كان وقوفه مع شعبه، وإعلانه عن كرامة هذا الشعب، فى كل الاجتماعات والمفاوضات - تؤكد المحاضر - أنه كان لا يقبل ما يعترض عليه الشعب.

ديكتاتورية - نعم - ولكن دون ديكتاتور، لأنه كان يحتفى بعلاقته بالناس، لقد حصل من العالم على شىء لم يقدم لغيره من الزعماء العرب: ليس الدعم العسكرى أو الاقتصادى: لقد شهد انبثاق شىء جديد فى العالم هو أهمية دعم الرأى العام العالمى.

عن الاعتقالات والتعذيب فى عهد عبدالناصر يقول الكتاب:

''من الواضح أن عبدالناصر كان موافقاً على الاعتقالات غير الشرعية (للإخوان وللشيوعيين)، ولكن هل تغاضى شخصياً عن استخدام التعذيب، إن تحقيقاتى حول هذا الموضوع والتى شملت: هشام قاسم، وشريف حتاتة ومحمد سيد أحمد وغيرهم مثل هيكل ودسوقى وغالب ومحيى الدين وحمروش: إنهم يفترضون إنه علم متأخراً، وأن هذا لا يتلاءم مع شخصيته وإنه كان جوهرياً ضد كل عمل غير إنسانى وضد كرامة الإنسان''.

لقد فشل النظام الذى أقامه عبدالناصر فى إقامة مؤسسات ثورية ''هيئة التحرير - الاتحاد القومى - الاتحاد الاشتراكى'' وترك الساحة خالية للماكينات البيروقراطية الفاسدة القديمة والجديدة ''جموع الضباط الانتهازيين'' لإنتاج الشكل الديكتاتورى الأجوف، وإنتاج قيم النفاق والفساد الاجتماعى والأخلاقى، بالإضافة إلى فساد المنظومة التعليمية كلها على يد ضابط ذى ميول إخوانية هو كمال الدين حسين، إلى جانب مأساة الجيش وعبدالحكيم.

كل هذه البحار من الفساد مع فشل المشروع العربى بعد الوحدة، وسيطرة التيار الإسلامى فى العالم العربى، بعد مؤتمر الخرطوم، لم تحن رأس هذه القامة النزيهة النظيفة التى لم تتوقف يوماً عن العمل من أجل الناس وكرامتهم.

لقد وقف ضد الإعدام الأول لعمال المحلة ''لكن لا أحد ينكر أن عبدالناصر كان يحمل كراهية مرعبة للإخوان، حيث اعتقد بخطورتهم وضيق أفقهم، وفسادهم السياسى، وغالباً ما اعتقد أنهم غير إسلاميين، ومع أنه كان يعرف شعبيتهم فإنه سجنهم دون اللجوء إلى الإجراءات القانونية''، (كان يعلم بكميات التمويل التى تتدفق من بلاد النفط داخلياً وخارجياً على سعيد رمضان.. حتى أثناء حرب الاستنزاف).

ثلاثة وأربعون عاماً مضت: صور الرجل مرفوعة فى ميدان التحرير، وفى 30 يونيو، والآن لماذا النظافة والنزاهة والأمل، الآن الناصرية تقول قليلاً. فلسفة الثورة، والميثاق، 30 مارس لا تساوى صورته والخيط الممدود بين قلبه والناس.

مقامك أكبر فى قلوب الناس
ولا مقامهم فى قلبك - فؤاد حداد
فدوى طوقان التى ظلت تحبه حتى النهاية تقول:
الريح قالت لنا: إنه سوف يأتى.

أما نورى السعيد شيطان العراق القديم ''حلف بغداد'' فقد قال لإيدن رئيس وزراء بريطانيا:
- اضربه. اضربه. الآن. اضربه بقوة.
سحل نور السعيد فى شوارع بغداد وهو فى ثياب امرأة.

أما أندرية مالرو، وزير ثقافة ديجول، فيقول عن ناصر:
إنه يمثل مصر.. كما يمثل نابليون فرنسا.
مناحم بيجين، رئيس وزراء إسرائيل الأشهر يقول:
… لقد احترمت هذا الرجل.

أما شواين لاى، رئيس وزراء الصين، وقد كان قريباً من ناصر فهو يقول:
لقد مات حزيناً. مات كسير القلب!

قال عمر التلمسانى ''مرشد سابق للجماعة''
لا تصلوا على عبدالناصر غير المؤمن.

من المحيط إلى الخليج مازالت شمس ناصر لا تغيب، ومن المحيط إلى الخليج مازالت الجماعة تجمع فتات دولارات النفط وتتآمر باسم الإسلام.

ولد عبدالناصر فى 15 يناير 1918 فى 18 شارع قنوات فى حى باكوس الإسكندرية، أليس هذا مكاناً ملائماً لمتحف جديد نهديه لذكراه!!.

* (جمال عبدالناصر: آخر العرب) لـ''سعيد أبوالريش''، بيروت، مركز دراسات الوحدة.

إعلان